من سجل تاريخ المقاومة: معركة لقليب

سجلت المقاومة ضد المستعمر الفرنسي بالجنوب المغربي  و موريتانيا ما بعد التوغل و هزيمة “سيدي بوعثمان” فصولا من المعارك و المناوشات، التي للأسف لم تعطى أولويتها في الاحتفاء و التخليد، و من بين هذه المعارك الخالدة، معركة لقليب سنة 1913.

يصف الضابط جيليه  Gillier معركة لبيرات  (منطقة أدرار شمال موريتانيا حاليا) بالمجزرة، حيث راح ضحيتها كما قال قرابة السبعين قتيل (ما بين فرنسيين و مجندين) علاوة على مئة بندقية و عشرون ألف رصاصة غنمتها المقاومة،[1] لا يسمي الكاتب الفرنسي ما حدث معركة تضفي للمقاومة شرعية أخلاقية، بالنسبة إليه هي عملية نهب و قرصنة، و ربما يضيف إليها وصفا آخر، فيجعلها غزوة صعاليك على بني جلدتهم،  تكرر الوصف في كثير من عمليات المقاومة في موريتانيا و الصحراء.

زحف الفرنسيون نحو السمارة للانتقام من ضحايا المعركة، فحسب  الرائد جيليه:” لا يمكن أن نترك الرأي العام يقبل بأننا يمكن أن نكون مغلوبين في بلد تعتبر فيه هيبة السلاح أساس سلطتنا….“[2]

قرر المقدم “موريه  MOURET” الزحف نحو عقر المقاومة ” الصمارة” حيث الشيخ محمد الأغظف، الذي حسب ما تحصل من معلومات لديه، غزوة لبيرات كانت برعايته[3]، بتسرع باحث عن المجد، جهز الضابط حملته و وفر لها كل الإمكانيات و التنسيق، وفي  يوم 1 فبراير 1913 كانت الصحافة الفرنسية تنشر خبرا مفاده أن المقدم موريه ذاهب على رأس كتيبة من 350 بندقية لمطاردة “ْ المنشقين” انتقاما لضحايا عملية لبيرات[4] .

تشكلت القوة من حوالي 400 رجل، أغلب قوامها من المحليين و على رأسهم الأمير أحمد ولد الديد ( وهو للمفارقة أخ الشيخ محمد عبد الوهاب من الرضاعة) و الأمير ولد عيدة و أمراء آخرين[5]، وصل الرتل 28 فبراير 1913 السمارة، حيث وجدها خالية إلا من “تلميذ” حاول الهرب ليلا  و عبد و امرأتان تم توقيفهم، قدمت للضابط معلومات عن تجمع الشيخ محمد الأغظف على بعد ثلاث أيام إلى الشرق من السمارة،  كما يصف الضابط جيليه، الذي يستفيض في شرح وقائع المعركة ( مارس 1913) و حيثياتها منذ انتقال المقدم موريه من السمارة بعد أن نهبها و أحرق مكتبتها و حتى رجوعه إلى أطار منكسرا، رغم ذلك فهو يكتب أنها حققت نصرا معنويا ضد قبائل الشمال.[6]

تتطابق الرواية الفرنسية و المحلية، مع الاختلاف طبعا في حجم الخسائر، و بالنسبة لرواية المقاومة كما قال  الطالب أخيار بن مامينا، فبعد أن تمكن المريد محمد نافع بن حمدها من الفرار، توجه إلى الشيخ محمد الأغظف ليخبره بهجوم الفرنسيين على القلعة، فشرع الشيخ في استنفار القبائل، فحشد ألف مقاتل من قبائل المنطقة، و هذا أيضا  ما أورده أيضا جيليه، لتتمكن من اللحاق بالعدو الذي قرر الرجوع جنوبا بعد نهب القلعة، ودارت بينهم معارك قتال شرسة بمنطقة لقليب ( أو قليب الاخشاش جبل صغير من منطقة زمور)، التحم فيها الرجال، و ثبت المجاهدون و استمرت المعارك أياما انهزم فيها العدو رغم الدعم[7]، و كان الشيخ حاضرا بدعائه، طبقا لرواية محمد الشيخ البخاري الرقيبي[8] و رواية الضابط الفرنسي حين صرح في تقاريره “بأن مقاتلي المقاومة احتموا خلف الريشة الغربية على بعد  700  متر  منهم ( أي من الفرنسيين ) …من هناك استمروا طول الليل في  إطلاق نيرانهم عليهم بصفة متقطعة، ومن هناك استمعوا إلى أصوات التحريض والآذان وقراءة القرءان التي استمرت حتى الصباح”[9]، إلى أن يقول“…لغظف منعش الجيش لابد أنه حاضر، لدي انطباع أن هذا الفتى هو الذي سمعت  يبتهل إلى الله في صراخ عال…”[10]

بعد معارك عنيفة تتراجع المقاومة بعد علمها بهجوم قادم من أطار على مخيماتها، هكذا يعطي الضابط الفرنسي الفصل الأخير من نهاية المعركة، التي انتهت بمقتل العديد من الفرنسيين و أعوانهم و جرح الكثير ” 30 قتيل و جرح 50 و أسر 60“[11]،  وهي تقارب ما  قاله موريه[12]،  و من المجاهدين و رغم محاولة الفرنسيين تضخيم عدد القتلى و الجرحى فيهم،غير أن رواية المقاومة تعترف باستشهاد  عدد من المقاومين من قبائل : الرقيبات ،أولاد الدليم، ايتوسة، ويكوت، جماعة من ازرقيين و أيت لحسن…[13]

اعترف الفرنسيون بأن معركة لقليب كانت من أشد المعارك في افريقيا الغربية الفرنسية على العدو الفرنسي، الذي لم تمكنه قوته المجهزة من الانتقام لمعركة لبيرات و اكتفى بنصر غير أخلاقي تمثل في نهب زاوية الشيخ ماءالعينين و حرق مكتبته.


بقلم ماء العينين بوية

المصادر:

[1]  كتاب الرائد جلييه : التّوغل في موريتانيا، ترجمه الدّكتور ولد حميّن،ص 261

[2]  كتاب الرائد جلييه : التّوغل في موريتانيا، ترجمه الدّكتور ولد حميّن،ص 263.

[3] نفس المصدر 264

[4] جريدة L’Aurore  عدد 1 فبراير 1913،على خُطى “حَرْكَةْ لَمِيرْ أُكُلُلَنْ لَلسَّاقْيَه” الحَمْرَاء محمد هيين ص 67

[5]  مصدرين السابقين، كتاب التوغل ص264 و رواية على خطى حركة لمير و اكللن نقلا عن مصادر فرنسية صحفية و شهادات للمقدم موريه ص 68

[6] مصدر سابق ص 266

[7]  الطالب أخيار بن الشيخ مامينا، الشيخ ماءالعينين علماء و أمراء في مواجهة الاستعمار الأوربي جزء 2، بتصرف ص542 و 543

[8]  نفس المصدر ص 543

[9] رواية على خطى حركة لمير و اكللن نقلا عن مصادر فرنسية صحفية و شهادات للمقدم موريه ص 102

[10] كتاب الرائد جلييه : التّوغل في موريتانيا، ترجمه الدّكتور ولد حميّن،ص 268

[11] الطالب أخيار بن الشيخ مامينا، الشيخ ماءالعينين علماء و أمراء في مواجهة الاستعمار الأوربي جزء 2، بتصرف ص544

[12]  رواية على خطى حركة لمير و اكللن نقلا عن مصادر فرنسية صحفية و شهادات للمقدم موريه ص 114

[13] الطالب أخيار بن الشيخ مامينا، الشيخ ماءالعينين علماء و أمراء في مواجهة الاستعمار الأوربي جزء 2، بتصرف ص545