هو السلطان مولاي عبد الحفيظ بن الحسن بن محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن عبد الله بن مولاي إسماعيل الحسني. أمه: السيدة العالية بنت صالح بن الغازي الشاوي. وهو ثاني أبناء الحسن الأول، كان عبد الحفيظ من كبار العلماء والشعراء. ومن عظماء السلاطين، نشأ نشأة أبناء الملوك، وأحدقت به العلماء من كل جهة، فتأدب وتهذب، حفظ القرآن وجوده، وحفظ الكثير من النصوص وأمهات الفنون وأشعار العرب وأيامها. وكان عالي الهمة بعيد النظر، ذا حزم ونجدة ونباهة. تولى عرش أسلافه عام 1325هـ بعد أن ثار على أخيه السلطان عبد العزيز واتهمه بالعجز عن طرد المحتلين. حاول إصلاح الأوضاع الفاسدة التي ساءت وتدهورت في عهد أخيه لكن الخرق اتسع على الراتق، وفي النهاية أذعن لضغوط الفرنسيين حتى وقع معهم الحماية.
تقول الباحثة آسية بنعدادة: “بذل السلطان الجديد جهودا لتوطيد سلطانه وقضى على فتنة بوحمارة الذي فتن البلاد لمدة تزيد على سبع سنوات. ولكن سرعان ما تعرضت جهوده لعراقيل نفسها التي صادفت أخاه، وبصفة خاصة إلى الضيق المالي، وإلى تضييق الخناق من طرف الدول الأوروبية. التي رفضت الاعتراف به رسميا، حتى يقبل شروطها. وكانت هذه الشروط هي التي تخلى بسببها الشعب المغربي عن بيعة المولى عبد العزيز. واضطر المولى عبد الحفيظ إلى قبول الشروط، فاعترفت به جميع الدول الممثلة بطنجة سلطانا شرعيا في 5 يناير 1908م” وأضافت بنعدادة – في هامش كتابها – أن من بين تلك الشروط التخلي عن الجهاد، وإيقاف إرسال الأسلحة لماء العينين” . ومن أشنع ما أخذ عليه قتله للعالم الكبير السيد محمد بن عبد الكبير الكتاني.
تعود علاقة عبد الحفيظ بالشيخ ماء العينين إلى أيام والده الحسن الأول، الذي كان يأتي بأولاده وهم صغار إلى الشيخ ماء العينين يلتمس منه الدعاء لهم، وكان من بينهم صاحب الترجمة. وبعد أن كبر وصار خليفة لأخيه في مراكش، أخذ عن الشيخ وتتلمذ عليه وأجازه، وهذا نص إجازته : {بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وبعد: فليعلم الواقف هنا من جميع المسلمين أني أيها الكاتب المسمى آخره طلب مني ابني وابن حبيبي قرة عيني مولاي عبد الحفيظ بن مولاي الحسن نور الله ضريحه آمين، أن أجيزه وأحلي إبريزه في استعمال ما شاء من تواليفي، واستعمال ما شاء من الآيات القرآنية والأسماء الحسنى وغير ذلك من الأسرار المطلوب بها رضى ربنا الغفار، فقد أجزته في جميع ذلك إجازة عامة شاملة لأنواع الإجازة، بحيث يستعمل لنفسه ويعطي لغيره ممن رأى فيه الأهلية لذلك. وأسأل الله أن ينفعه وينفع على يديه كثيرا من المؤمنين. وأوصيه ونفسي بتقوى الله العظيم، واستعمال ذلك فيما يرضيه. بالتمام وعلى المحبة والسلام.
عبيد ربه ماء العينين بن شيخه الشيخ محمد فاضل بن مامين غفر الله لهم وللمسلمين آمين في 11 جمادى الأولى عام 1322هـ.
استمرت هذه العلاقة تتوطد إلى ما بعد اعتلائه عرش آبائه، وذكر الشيخ النعمة، بعد أن حلاه بالأوصاف الحميدة أنه: “كان شديد الاعتناء بالشيخ ماء العينين، وتتلمذ عليه، وأخذ عنه كثيرا من الأوراد. وأنه كان يهدي له الهدايا السنية، ويتحفه بالذخائر العلية في خلافته، وبعدها في إمامته. وأنه كان شديد التواضع بين يديه، حتى أنه لا يجلس – وهو سلطان – بين يديه إلا على ركبتيه. ولما قدم عليه عام إمارته، أجلسه على سرير مملكته، وجلس تحته بين يديه، منكسا لرأسه.
لكنه بعد أن تولى سدة الحكم وانتقل إلى فاس وشرع في الحوار والمفاوضات مع الفرنسيين، تخلى عن مساندة الشيخ ماء العينين في أمر الجهاد، بل طلب منه الكف عن المقاومة.
له مؤلفات في مختلف الفنون ذكرها القيطوني، منها: “الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع”، و “السبك العجيب في نظم مغني اللبيب” و “العذب السلسبيل في حل ألفاظ خليل”، وهو شرح لخطبة مختصر خليل، و “القول المختار على الخلاصة والاحمرار”، و “نظم الشمائل المحمدية والسيرة المصطفوية”، و “نظم في مصطلح الحديث”، و “نيل النجاح والفلاح في علم ما به القرآن لاح”، و “ياقوتة الحكام في مسائل القضاء والأحكام”، و “كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع المتقولين الذين حادوا عن منهاج السنة، وأحدثوا اعتقادات لم ترد عمن شرع الدين والسنة”.
ذكر ابن سودة في دليله: أن “كشف القناع” هذا يرد فيه على أصحاب الشيخ التجاني، وعلى ما أحدثوه من البدع في طريقتهم. ويقع في جزء وسط طبع بفاس عام 1327هـ 1909م.
توفي السلطان عبد الحفيظ رحمه الله يوم الأحد ثالث وعشرين محرم عام ستة وخمسين وثلاثمائة وألف الموافق لأبريل عام 1937م بباريس ونقل جثمانه إلى فاس حيث دُفن.
المصدر: كتاب الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الأول، الطبعة الثانية ص 378-379. تأليف: الطالب أخيار بن الشيخ مامينا؛ منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية.