الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماءالعينين، العاشر من أبناء الشيخ، والدته: ميمونة بنت أحمد بن علي. وُلد في 13 من ربيع النبوي عام 1292هـ (20 إبريل 1875م).، عرفه ماءالعينين بن الحضرمي بقوله “…نشأ في طاعة و صيانة و أدب و عفاف ديانة و قرأ القرآن على الوالد السيد الشيخ الحضرمي و مهر فيه غاية و أتقنه و أعطاه الإجازة…” ، و كتب المؤرخ الطالب أخيار في بداية تعريفه له ” كان عالما فقيها، رأسا في التقى والعبادة، قمة في الامتثال والاجتناب، حريصا على اتباع السنة واجتناب البدعة. أخذ العلم والطريقة عن والده ولازمه حتى صدره وأجازه في التربية”، كما ذكر ابن العتيق في كتابه “تحفة المكاتب”. وكان من المهرة بالقرآن إذ قرأه في صغره على الشيخ الحضرمي بن الشيخ أحمد حتى أتقنه.”
ترجم له أيضا العلامة ماءالعينين بن العتيق في سحر البيان فقال: “…كان جادا في العبادة، لا شغل له إلا بها، ولا يلتفت إلى غيرها، ويحب التعبد والتحنث في الخلوات، ولا سيما في المساء والصباح وجوف الليل، وربما يظل اليوم كله والليل كله وما دخل بيته ولا رآه أحد، ولا عرف أين سار، مشتغلا في عبادة ربه، لا يتأنس بغيره. وهذا دأبه من صغره إلى الآن. فلذا قال عنه أخوه الشيخ محمد الغيث: أخي الشيخ محمد الأغظف عبادته شبيهة بعبادة الملائكة. وكان محررا للعلوم، متقنا لها، له إنصاف في المذاكرة وتواضع عجيب، مع ما رزقه الله من علو القدر. وكان يرفع أهل العلم ويحبهم ويُكرمهم. ولا يحب إلا في الله لا يبغض إلا فيه. وكان كثير الإنفاق والعطاء والصدقة. . . ويؤثر الناس في عطائه على عياله، ويعتقد أن الخلق كله عياله، ولا يدخر شيئا من ماله عن الإنفاق. وكان شفيقا على عباد الله رحيما بهم. وكان واسع الصدر، شامخ القدر جميل الشمائل، جليل الفضائل، تُدهش العقول مهابته وجلاله، ولا يوصف في كل المناقب الحسنة. فقد شاهدناه تأتيه الجهلة والفسقة والظلمة، فيبايعونه بيعة التربية، ولا يظن أحد أنهم ينتفعون بشيء، فعندما ينتسبون لجنابه، ويُحسبون من أصحابه، تظهر عليهم البركات الكثيرة، وتظهر على وجوههم سيمى الصلاح، ويستقيمون بعد الاعوجاج، ويسلكون قويم المنهاج. أما انتفاع غيرهم من أهل الخير منه، فلا يعد كثرة، فقد صدر كثيرا من مريديه الصادقين، فصاروا به من الأولياء العارفين. وقد خلفه شيخنا في سفره إلى السلطان مولاي عبد العزيز عام اثنين وعشرين بعد ثلاثمائة وألف، ومعه الشيخ النعمة في أهله، فسار فيهم بسيرته العلية، وكثيرا ما ينيبه في بعض أموره الخاصة فيعمل فيها على وفق مراده. ورجع إلى البلاد الصحراوية بعد وفاة شيخنا ب “تيزنيت”، وهو أول من رجع إليها من أبنائه رضي الله عنه، فأحيى ذكر شيخنا بها، وجدد آثاره وتتلمذ عليه التلامذة الكثيرون من أهلها، وأطاعته كبراؤها ورؤساؤها، وقلدوه أمور مصالحهم، ولم يزالوا يأوون إليه في جميع مهماتهم ولا يقطعون أمرا دونه، كما كانت تلك عادتهم مع شيخنا” .
وذكر الشيخ أحمد بن الشمس أنه: “
سمع الشيخ محمد الأغظف يقول: ما رأيت أصعب من المحافظة على ثلاث مسائل: إفراغ القلب لله حتى يخلص إلى ربه، ولا يبقى فيه غيره؛ وصدق الكلام لأني لما جربت نفسي وجدتها ربما تميل إلى الترخص في الكذب. وكان لا يترخص فيه صبيا ولا بعد ذلك؛ وطهارة البدن والثوب”. ويعلق ابن الشمس على هذه الكلمات قائلا: “هذه الكلمات الثلاثة يمكن أن يخرج العلم منها، لأن الدين إما اعتقاد بالقلب، أو عمل بالجوارح، وتضمنت الكلمات القسمين” وقد نظم سيرته مريده الفقيه محمد بن سيدي إبراهيم البصادي.
بعد وفاة الشيخ ماء العينين، قدم الشيخ محمد الأغظف إلى ا السمارة حسب
رسالة بخط يده عن قدومه، اجتمعت حوله القبائل المقاومة، و في ذلك يقول صاحب المحيط في المهم من أخبار صحراء المغرب و شنقيط” و
أخبرني الشيخ محمد الإمام بن الشيخ ماء العينين، أن والده لما انسحب من سمارة وبقيت خالية رجع إليها ولده الشيخ محمد الأغظف، وإلتفت عليه قبائل ناحية الساقية الحمراء وتيمنوا بطلعته،ووقفوا عند إشارته، واستظلوا برايته،ورجعت إليها بعض عمارتها،واستأنفوا الزحف على عدوهم…”
ظل الشيخ الأغظف مساندا لأخويه الشيخين:أبي العباس الهيبة ومربيه ربه في المقاومة والجهاد،و في ذلك يقول صاحب المحيط “...وهكذا كان الشيخ محمد الأغظف مساندا لأخويه: الشيخين أبي العباس الهيبة، و مربيه ربه في المقاومة و الجهاد بالناحية الصحراوية، و استمر على ذلك نحو ثلاثين سنة، لم يهن ولم يستسلم…” سكن نواحي الساقية الحمراء. وبذل جهودا كبيرة في جمع وتعبئة المجاهدين في معركة “القليْب” 1913م، كما عرف بمواقفه البطولية و الوطنية ضد المحتل الإسباني سنوات الخمسينات من القرن الماضي، حيث عقد مؤتمر “أم الشكاك” سنة 1956 بصفته النائب السلطاني، و كان من مخرجات المؤتمر توجه وفد صحراوي إلى العاصمة الرباط للقاء السلطان محمد الخامس، وتعرض الشيخ الجليل جراء مواقفه المناوئة للاستعمار إلى ضغوطات إسبانية و قصف أجنبي لمخيمه، فانتقل إلى الشمال، ليستقر بمدينة طانطان.
تُوفي رحمه الله يوم الأربعاء 29 ربيع النبوي عام 1380هـ (23 أغسطس 1960م).
حسب كتاب الطالب أخيار بن مامينا، عقَّب من الذرية: محمد ماء العينين الملقب “العبادلة”، وأم الفضل، والعالية الملقبة ما انفشينا ، أخديجتنا الملقبة العودة، وسعداني الملقبة الشيخة، وبدرة، أمهم: ميمونة بن محمد المختار بن عبد الله بن محمد سيدينا بن أحمد محمود بن آبيهْ الخطاطية، ومحمد فاضل، وميمونة الملقبة دكومة وربيعة ومحمد الأمين الشبيه الملقب لارباس، ومريم الطاهرة وسيدي عثمان، ومحمد البشير الملقب “ابشيرنا”، والولي أمهم: عزيزة بنت أحمد بن عبد الودود بن محمد سيدينا بن أحمد محمود بن آبيه وهي ابنة عم ميمونة الآنفة الذكر.
المصادر:
ماءالعينين بن العتيق، سحر البيان ص 111
ابن الشمس النفحة الأحمدية ص 166
إفادة الأقربين للشيخ ماءالعينين بن الحضرمي، ص34
الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الأول، الطبعة الثانية ص 443-444-445. تأليف: الطالب أخيار بن الشيخ مامينا؛ منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية.
إثبات علماء الصحراء على ما للنسب من محاسن غراء لمؤلفه ماءالعينين امربيه بن الشيخ سيدي محمد بن عبد العزيز صفحة 66.
جعفر بن أحمد الناصري، كتاب المحيط بالمهم من أخبار صحراء المغرب وشنقيط،الجزء الثاني ،الصفحة 279،482