الشيخ أحمد بن الشمس الحاجي

يقول المؤرخ الطالب أخيار بن مامينا في ترجمته:

 الشيخ أحمد بن محمذ انفالْ الملقب الشمس بن عبد الله بن المختار بن محمذ اغربط بن المختار بن بابا الشمس (محمذ انفال) بن المختار بن ألمينْ بن النجيب الذي هو أول من قدم من قبيلته إلى منطقة القبلة. أمه: الناصرة بنت الولي الشهير بابا بن حمْدي.

كان إماما عالما، فقيها ربانيا، وشاعرا ماهرا باللغة العربية، وكان رحمه الله من كبار مريدي الشيخ ماء العينين، الكاملين وأشهر تلامذته الواصلين. وهو من قبيلة إدولْحاجْ الشهيرة في موريتانيا، وقد أنجبت هذه القبيلة الكثير من العلماء والصالحين، والأدباء والشعراء.

كان صاحب الترجمة مُعِمَّا مُخولاً، وكان مُنعَّما في رخاء من العيش، أخذ أولا عن والده، وأخذ بعض العلوم عن جده لأمه العَالم الجليل بابا بن حمدي.

سبب ذهابه إلى الشيخ ماء العينين هو أنه وهو في غمرة الشباب، في منْزه، وعنده خيول عتاق، ومعه بعض الشباب المترفين، التقى به ابن عمه السيد محمدِنْ بن المختار بن المصطفى فقال له: ما خُلقت لهذا، وقد ضاع وقتُك، وما هذه حالة الرجال، وقال له كلاما مضمونه أن يذهب إلى من يُربي قلبه. فقام الشيخ أحمد من حينه وأخذ في إعداد الزاد والراحلة، وتوجه إلى بعض محاضر العلم، ثم شدَّ الرحال إلى الشيخ ماء العينين، وقدم عليه في “تيرس” ولازمه زمنا طويلا وأخذ عنه الفقه والأصول والمصطلح وعلوم التفسير واللغة والنحو وعلوم البلاغة، ثم أخذ عنه أوراد الطرق حتى أجازه وصدره إلى أهله، ولما رجع إلى أهله كان أول من بايعه هو محمدنْ الذي أشار عليه بالذهاب إلى الشيخ ماء العينين. مكث مدة قليلة في أهله، ثم عاد إلى شيخه وبعد مدة عيّنه على رأس زاويته في فاس عام واحد وعشرين بعد ثلاثمائة وألف.

ذكر ابن العتيق أن الشيخ أحمد بن الشمس صحب الشيخ ماء العينين ثلاثين سنة، وأنه جدّ في خدمته، وكان من أقرب تلامذته له، حتى تضلع من العلوم، وسلك الطريق، فكان من كمّل الأولياء العارفين والعلماء العاملين، فأجازه الشيخ ماء العينين وصدره إلى قبيلته، فظهر فيهم ظهورا عجيبا، وتتلمذ عليه كثير منهم ومن غيرهم، ثم بعد مدة قدم على شيخه الشيخ ماء العينين فشرب منه عللا بعد ما نهل، وازداد كمالا بعد ما كمل، فسيّره الشيخ ماء العينين لزاويته في فاس وجعله خليفة بها فسكن بفاس، وظهر فيه ظهورا لا يوصف، وتتلمذ عليه جل أهل تلك البلاد، وانتفعوا به وأخذوا علم السلوك على يديه، وأذعنت لفضله علماء فاس وغيره، وعظموه وعرفوا له قدره، وكان الواسطة في كثير من الأمور الخاصة بين الشيخ ماء العينين وبين سلطان المغرب.

وفي المدة التي أمضاها الشيخ أحمد الشمس في فاس، أقام علاقات متميّزة وروابط وطيدة مع كبار رجال الدولة في عهد السلطانين: عبد العزيز وعبد الحفيظ، ومن أبرز هؤلاء الرجال القائد إدريس بن يعيش . وكان القائد إدريس يشغل منصب الحجابة ويتمتع بنفوذ كبير، كما كان يعرف للشيخ أحمد الشمس مكانته عند الشيخ ماء العينين، فتطورت هذه الروابط إلى المصاهرة، حيث تزوج الشيخ أحمد الشمس بالسيدة لالة زهرة  بنت القائد إدريس، وكان هذا الزواج سببا في ربطه أكثر بالسلطان عبد الحفيظ الذي كان متزوجا أختها مينه بنت القائد إدريس، وكان الشيخ أحمد بن الشمس واسع الإطلاع والمعرفة بشؤون الدولة. كما كان يرصد نشاط قناصل الدول الغربية في فاس، وخاصة تحرك الفرنسيين في الحدود مع الجزائر.

بعد وفاة الشيخ ماء العينين، واستيلاء النصارى على بعض مدن المغرب، هاجر الشيخ أحمد بن الشمس إلى بلاد الحرمين، وفي طريقه إلى الحجاز مر بالقاهرة ومكث بها مدة، وكانت له حلقة في الجامع الأزهر، وخلال مقامه في القاهرة أعاد طبع كتابه: “النفحة الأحمدية في بيان الأوقات المحمدية” الذي ألفه في الرد على بعض علماء فاس في شأن تعجيل وقت صلاة العشاء، وأشياء أخرى من أمور العبادات. وخصص آخره لذكر مناقب شيخه الشيخ ماء العينين، وبهامشه كتاب نور الغسق في اسم الجلالة هل مرتجل أم مشتق للشيخ النعمة بن الشيخ ماء العينين. وقد اعتمدت على كتابه “النفحة الأحمدية” في تراجم الكثير من مريدي الشيخ ماء العينين.

وقد ألف كتابه النفحة الأحمدية زمنه في فاس، وشرع في تأليفه سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف بطلب من بعض العلماء الأجلاء منهم: محمد بن عبد الواحد الإدريسي، والفقيه المهدي الوزاني، والعلامة أحمد بن سيدي جعفر الكتاني وأخواه عبد العزيز وعبد الرحمن، والفقيه الشرادي، ومحمد بن قاسم القادري.

وله مؤلفات أخرى منها: مخ العبادة التي أمر الله بها عباده، وتذكرة المريد في التصوف، وملجأ المضطر ومنجاهْ لما من ربه يخشاهْ.

ذكر العالم الكبير المختار بن أبلولْ الادولحاجي أن له تآليف سوى النفحة الأحمدية، منها كتاب “خلع النعال في السفر إلى الكبير المتعال” وكتاب “الممسك في ذكر كل منسك”. وذكر المختار بن أبلول أن الشيخ أحمد بن الشمس لما هاجر إلى الحرمين مرَّ بالجزائر وتونس وليبيا إلى أن وصل إلى مصر فتُلقي بالقبول. وممن اعتقد فيه وصحبه السيد عبد الفتاح الطنطاوي، والسيد محمد أفندي الحلو، وهو الذي تولى طبع كتابه النفحة الأحمدية. ولما حج توطن المدينة واشترى دارين سكن إحداهما ووقف الأخرى على التلاميذ وغرباء الشناجطة. وأقبل عليه أهل الحجاز إقبالا بليغا، وكان يحج كل عام بمن معه من الناس، وأعطى الله تعالى له تسخير القبائل التي كانت تقطع الطريق، فلم يزل يُجير الحجاج من جميع الأقطار سنين عديدة إلى أن توفي .

حدثني السيد محمد الأمين بن الشيخ محمد الخضر بن مايابى الجكني في المدينة المنورة أنه رأى الشيخ أحمد بن الشمس عندما كان بالقاهرة، كان إذا مر في طريقه إلى الجامع الأزهر تزدحم الناس عليه، يطلبون منه الدعاء، ويتبركون منه، وأنه كان قصير القامة نحيل الجسم يلبس دراعة قصيرة، ويتجلل فوقها برداء أسود عريض .

ويستشف من رسالة عندي بخط الشيخ الولي بن الشيخ ماء العينين كان قد بعث بها إلى الشيخ أحمد بن الشمس أنه كان صغير الجسم كما ذكر محمد الأمين. ومما جاء في هذه الرسالة: سمعت شيخنا الشيخ ماء العينين يقول ابن الشمس لا يضره صغر جسمه مع كبر قدره، ويتمثل بقول الشاعر:

تراه من الذكاء نحيل جسم || عليه من توقده دليل

إذا كان الفتى ضخم المعالي || فليس يضره الجسم النحيل

كان رحمه الله يدرس لطلبة العلم في منزله بالمدينة المنورة، وكان حريصا على تعليم اللغة العربية، من ذلك ما حدثني به محمد الأمين بن الشيخ محمد الخضر بن مايابى. أنه دخل عليه يوما وبعد أن اطمئن به المجلس سأله الشيخ أحمد بن الشمس قائلا ما معنى النولة في اللغة؟ فقال له: لا أدري. فأجابه معناها: القبلة وانشد قول الشاعر:

إذا قلت هاتي نوليني تبسمت || وقالت معاذ الله من فعل ما حرم

فما نولت  حتى تضرعت عندها || وأعلمتها ما أرخص الله في اللمم

ثم أردف قائلا: لا حياء في العلم وآكد العلوم علم اللغة، لأن بها يفهم القرآن والحديث.

قال عنه الشيخ النعمة في كتابه الأبحر: “هو الطود الشامخ، والصرح الباذخ، ذو المحاسن التي لا تفي بها الكرارس، ولا تعبر عن كنهها القذامس. بدر مطالع الرياسات، وشمس مغارب السيادات، النحرير الأشهر، الذي باهى وفاق نوره الشمس، الشيخ أحمد بن الشمس. وهو من مريدي شيخنا العظام، لبث عنده زمنا يخدمه، وكان نساخة للكتب، ويسر الله عليه النسخ تيسيرا لا يوصف حتى أنه سمع عنده أطال الله حياته أن بعض مريدي أبيه شيخنا الشيخ محمد فاضل، نسخ مصحفا وضبطه كله في ستة أيام. فنسخ هو مصحفا تاما في أربعة أيام. وهذا المصحف أعرفه وهو من أصح المصاحف، وأحسنها وضعا. وكان يكتب في النهار فقط دون الليل. . كانت له رحمه الله مراسلات مع إخوانه في زاوية الشيخ ماء العينين ببني أنصار بناحية الريف بشمالي المغرب وكان يخبر من خلالها بقدوم الشيخ على فاس ومن ذلك ما ورد في الرسالة التالية:

“الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه

حفظ الله مقام العالي بالله الطالب الأديب الأرضى المؤيد المرتضى سيدي عبد السلام، سلام الله عليك ورحمة الله وبركاته، تعمك وتعم جميع من تعلق بك من الأحبة والقربة والتلامذة والإخوان بعد السؤال عن كلية الأحوال لا زائد. نخبرك أن شيخنا أطال الله حياته قادم إلى هنا لأجل ملاقاته مع الأمير الأعظم. ودمتم بخير والسلام في 23 ربيع الثاني عام 1322هجري (7 يوليو 1904م).

ثم انتقل إلى المدينة المنورة فسكنها إلى أن توفي بها في رجب عام اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف 1342هجرية، فبراير 1924م ودفن في البقيع.

عقب بنتين هما: فاطمة ولا عقب لها وخديجة التي عقبت بنتا هي فاطمة من زوجها المصطفى العلوي. نسبة إلى قبيلة إدوعلي.

ولما تهيأ للسفر من فاس، نظم القاضي الأديب أحمد بن العياشي سكيرج قصيدة في توديعه، وذلك يوم الجمعة 2 ربيع الثاني عام 1330 هجري 21 مارس 1912م منها:

قفوا ساعة حتى أودعكم قلبي || فقد غبت عن حسي بأخذكم لبي

أحبة قلبي هل دريتم بأنني || على عهدكم أبقى لدى البعد والقرب

أخذ عن صاحب الترجمة كثير من العلماء في فاس والقاهرة والمدينة المنورة، أشهرهم الشريف الشيخ أحمد القادري الحسيني الدمشقي المتوفى سنة 1945م. والمحدث أحمد محمد شاكر المتوفى 1958م وعبد الحفيظ  بن محمد الطاهر الفاسي المتوفى سنة 1964م أخذ عنه في فاس ولازمه مدة طويلة. وأخذ عنه اعزاز الدين الهندي المكي ومحمد نور التركزي المتوطن بالمدينة والشيخ موسى الفوتاوي المقيم بالمدينة وهؤلاء الثلاثة ذكرهم ماء العينين بن العتيق في رحلته إلى الحج سنة 1939م وكان في وفد خاله الشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماء العينين وذكر أن الشيخ مربيه ربه ووفده نولوا عند اعزاز الدين الهندي بمكة.

وكان الشيخ أحمد بن الشمس أول من اعتنى بجمع ما قيل في الشيخ ماء العينين من المديح، كما اعتنى بتقييد ما سمعه منه من حكم وأدعية وشعر وغير ذلك.

 يقول فيه عبد الحفيظ الفاسي صاحب كتاب معجم الشيوخ “كان عالما متفننا مشاركا في الفقه و اللغة و التصوف…قائما بنشر طريقة الشيخ ماءالعينين…” و يقول عن استقراره و حاله في زاوية شيخنا بفاس :”وكان له جاه عريض عند المخزن السابق، صرف ذلك في قضاء حوائج الناس…فصارت زاويته بفاس مثابة لرجال الفضل…“،


مصادر:

معجم الشيوخ لمؤلفه عبد الحفيظ الفاسي ص 97 و 98

الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الأول، الطبعة الثانية ص 244,245,246,247,248,249.  تأليف: الطالب أخيار بن الشيخ مامينا؛ منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية.