علاقة الشيخ ماء العينين بملوك المغرب، وأمراء بلاد شنقيط

علاقة الشيخ ماء العينين بملوك المغرب، وأمراء بلاد شنقيط

  1. علاقته بملوك المغرب

بدأت علاقة الشيخ ماء العينين بالملوك العلويين سنة أربع وسبعين بعد المائتين والألف (1274هـ) عندما استقبله السلطان مولاي عبد الرحمن بن هشام في مدينة مكناس، وهو في طريقه إلى الحج… ثم توطدت علاقته بابنه السلطان محمد الرابع، ثم بلغت هذه العلاقة أوْجها في عهد السلطان الحسن الأول بن محمد، وفي عهد ابنيه: عبد العزيز وعبد الحفيظ. وكان رحمه الله قد عاصر خمسة من ملوك الدولة العلوية.

كان هؤلاء الملوك يعتبرون الشيخ ماء العينين أكبر عالم جامع عرفته المنطقة…، ونال عندهم حظوة ومكانة سامية، لما رأوا فيه من صلاح واستقامة وحسن خلق وزهد في الدنيا وحطامها، مع ما شاهدوا من استجابة الله لدعائه وانجذاب الناس إليه.

الملوك الذين عاصروا الشيخ ماء العينين ولقيهم، عبد الرحمن بن هشام؛ لقاءه بالسلطان محمد الرابع في مركش ، ثم تكررت الزيارات بعد ذلك في عهد الحسن الأول بن محمد وابنيه السلطانين: عبد العزيز وعبد الحفيظ. و لم يزر الشيخ ماء العينين أحدا من هؤلاء السلاطين، بعد السلطان عبد الرحمن إلا بدعوة منهم، وفي حال مجيئه إليهم، يستشيرونه في كل أمورهم الخاصة والعامة، وخصوصا الحسن الأول وولديه: عبد العزيز وعبد الحفيظ.

وكانت أولى هذه الزيارات التي ذكرنا في عهد السلطان محمد الرابع في سنة 1287هـ، كما ذكر الشيخ النعمة بن الشيخ ماء العينين في مسموعاته. و ذكر ابن العتيق في كتابه “سحر البيان” أنها كانت في سنة 1290هـ وأضاف ابن العتيق قائلا: “.. ثم لما كان عام تسعين بتقديم التاء بعد المائتين والألف أرسل إليه رضي الله عنه سيدي محمد بن عبد الرحمن يستقدمه فقدم عليه في مراكش، فقابله بما لا يوصف ولا يكيف من الإحسان والتعظيم والإكبار والتكريم، وأهدى له الهدايا الفاخرة ونفذ له زاويته الشهيرة بمراكش، وهي التي بناها بعد ذلك ابنه السلطان عبد العزيز. وفي هذا المقدم شفى الله على يديه القائد ابن بلَّ الرحموني من الجذام. وطلب السلطان من الشيخ مرافقته لتأديب بعض المتمردين الخارجين عليه، فأعتذر الشيخ عن السفر معه ودعا له بالنصر عليهم والتمكين من فتحهم فحقق الله دعاءه، فبمجرد أن خيّم السلطان بالقرب من الخارجين عليه، قذف الله الرعب في قلوبهم وساروا إليه مذعنين مبايعين. فكان السلطان يعد ذلك من بركة دعائه“.

ونظرا لمكانة الشيخ العلمية والدينية، فقد قابله السلاطين بما يستحق من التقدير والاحترام…،بدءاً من السلطان عبد الرحمن، وانتهاء بعبد الحفيظ؛ وظلت هذه العلاقة في تصاعد مستمر، وكانوا يولون عناية كبيرة لنصائحه وآرائه. يقول ابن اليماني عن مكانة الشيخ ماء العينين :”وما رأيت ولا علمت أحدا اليوم بالمغرب قاطبة في درجة الشيخ رضي الله عنه في الشهرة وكثرة الأتباع وبُعد الصيت وإقبال الخلق عليه، …، ولا أعلم أحدا منزل عنده وعند سائر وزرائه وكبراء دولته منزلته، وكثير منهم تلامذة له، وأكبرهم في ذلك صاحب المشور ابن يعيش“.

وأكثر اتصالاته بهؤلاء السلاطين؛ اتصاله بالسلطان عبد العزيز، الذي كانت جل اللقاءات به في مراكش وبعضها في فاس، وقد بنى له عدة زوايا وموّل بعضها، وسنذكر تاريخ هذه الزيارات باختصار، فقد كان أولها زيارته للسلطان عبد الرحمن سنة 1274هـ ثم زيارته للسلطان محمد الرابع سنة 1290هـ ثم زيارته للسلطان الحسن الأول في سنة 1304هـ.

ثم زياراته للسلطان عبد العزيز في مراكش في سنوات 1314-1317-1318-1319هـ وزياراته له في فاس سنوات 1320-1322-1324هـ ولما رجع من هذه الزيارة الأخيرة؛ ركب الباخرة من “الصويرة” ونزل في “الطرفاية”، وقدم بمجموعة من البغال، وهي أول مرة تدخل فيها هذه الحيوانات إلى الصحراء. وفي عام 1326هـ توجه إلى السلطان في فاس، وكانت معه الوفود، التي جاءت إلى “السمارة” قادمة من بلاد شنقيط في أمر الجهاد، فلما وصل أرض “الشياظمة” بويع السلطان عبد الحفيظ، فتوجه إليه.

كانت مراسيم الاستقبال، التي تخصص له عندما يفد عليهم تظهر مدى التقدير والاحترام، اللذين يحظى بهما عندهم وعند العامة. فكان يُستقبل عند مدخل المدينة التي بها السلطان، من طرف كبار رجال الدولة، وفرق من الجيش تقرع الطبول، وتعزف الموسيقى، وطوابير من العساكر جاءت لمرافقة وحراسة وفد الشيخ، الذي لا يقل في العادة عن المئات من المرافقين.

كان الشيخ ماء العينين عندما يقوم بزيارة لإحدى المدن الكبرى في المغرب، تغلق الأسواق، وتخرج الجماهير الغفيرة احتفاء بمقدمه.

وهذا ما نلمسه في رسالة بعث بها الشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماء العينين، من فاس، إلى أخيه الشيخ النعمة في “السمارة”، يحدثه فيها عن الاستقبال الذي خُصص للشيخ وما شاهده من التعظيم والتبجيل، فيصفه قائلا: “ومنذ سرنا من عندكم ما رأينا إلا الخير، وحين وصلنا الدار البيضاء، أتانا أحمد بن الشمس برسائل السلطان في الإذن والإنعام والترحيب والتهنئة بالقدوم والفرح والسرور، ومعه محمد الحسن بن القائد إدريس، على العادة. وإذا بهم عندهم أوامر لكل من في الطريق من العمال لتوفير المؤونة.. إلى أن دخلنا فاس يوم الخميس العاشر من ربيع النبوي، وتلقى من تلقى لنا من الناس بل فوقه على العادة، من ضرب القباب، وتلقي العساكر والكتاب والوزراء، إلاَّ أنهم أخرجوا لنا مسجد السلطان الذي يسافر به ووجدناه مع القباب، وهو الذي صلينا فيه، بإذن من السلطان، تجديدا للإكرام.. وأرسل السلطان ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم لأنجال شيخنا ليحضروا، تبركا منهم، وقد أمرهم شيخنا أن يذهبوا وذهبوا إليه، ولبثوا مع السلطان أربعة سوائع، ولما قام السلطان قاموا.. ثم إن أهل فاس أقبلوا-ولله الحمد- إقبالا ما أقبله أحد قط، حتى لم يبق أحد منهم إلا أخذ الورد أو الإجازة”.

وعن هذه الزيارة لمدينة فاس، يقول ماء العينين بن العتيق: “وكان يوم دخوله فاس يوما مشهودا، فعل فيه السلطان ما عادته يفعل مع شيخنا من تلقي العساكر له بالطبول والبنود وآلة الأفراح، ووجوه الدولة، وأبهة الملك فكان اجتماعا فخما واحتفالا عظيما، حتى إنه خرج من العلماء و الصلحاء والشرفاء وأرباب المناصب والتجار وعامة الناس وخاصتهم ما لم يخرج من عاصمة فاس قبل ذلك اليوم، وقلما فات يوم من المدة التي لبث في فاس…وأتته طوائف من أهله بين زائر وطالب دعاء صالح، ومبتغ ورد أو إجازة في أي علم، أو حكم أو مريد شفاعة، أو حامل هدية.. ولم يأته أحد إلاَّ وآب بنيل مئاربه.. وفي هذا المقدم تبارت شعراء فاس وعلماؤه في مدحه رضي الله عنه بالأشعار الرائقة والخطب الفائقة، وقد كان جلهم يود رؤيته، لما خامرهم من مدامة شوقه، ولما فشا فيهم من جميل صيته عند الخاص والعام، فلما منَّ الله عليهم بقدومه، رأوا الخبر ليس كالعيانْ وشكروا على مرآه المنعم المنانْ“. ونفس المراسيم تقام له خلال زيارته لمراكش.

وعن هذه المشاهد يقول ماء العينين بن العتيق، واصفا بعض زيارات الشيخ لمراكش: «..كان يوما مشهودا: أمر السلطان وجوه الدولة و أعيان الرعية، وخواص العاصمة وعامتهم، وجميع العساكر بالتلقي على نحو ميلين من المدينة، ففعلوه له مع رفع البنود وضرب الطبول، وسائر أنواع الفرح.

ويقول محمد الباقر الكتاني عن إحدى زيارات الشيخ: «ولما أشرقت شمسه على مراكش، بعد انتظار دام ثلاثة أشهر، لم يتخلف أحد من أهلها عن استقباله، وكان في طليعة الكل الوزير الأول، وأمراء البيت العلوي الشريف، بحيث كان يوما مشهودا، وموسما من مواسم الخيرات معدودا، أظهر فيه السلطان ووزراؤه وشعبه ما يكنونه من محبة وتقدير للشيخ ماء العينين».

وفي كتاب “المعسول” ما نصه: «..وأما إذا توجه بركابه إلى مراكش فإن المغرب يقوم ويقعد في الاحتفالات به بإيعاز من الحكومة وبغير إيعاز منها. فإن للرجل مكانة مكينة في القلوب كلها قلوب الخاصة والعامة، لدينه وعلمه وشرفه وسنه، حتى أطل على الحمراء، تركب الحكومة عن آخرها لملاقاته، ثم يتسابق الناس في الاهداء إليه، كما تتسابق الشريفات من دار المخزن  للفوز بغسل ثوب من ثيابه تبركا».

ويقول الحسن بن الطيب بن اليماني المكناسي عن استدعاء السلطان الحسن الأول للشيخ ماء العينين: “…ووصل إلى وادنون عام ثلاثة وثلاثمائة وألف، ووفدت عليه (أي السلطان) الوفود هنالك من قبائل الصحراء مستظلين بظل رحمه.. وكتب من “وادنون” كتابا إلى الشيخ الجليل، والغوث الذي ما له من مثيل، سيدي ماء العينين أطال الله حياته في عافية الدارين، يطلب منه القدوم عليه لمحلته، بقصد التبرك به والاجتماع معه ورؤيته، وتمثل في آخر ذلك الكتاب بما نصه:

وأبرح ما يكون الشوق يوما   إذا دنت الديار من الديار

ومكث بواد نون نحو العشرة أيام. ثم نهض راجعا لمحل سلطنته، ومقر مملكته، مدينة مراكش الحمراء.. وبينما الشيخ يهيئ الأمور إذ بلغه نهوض السلطان من “واد نون”، فأمسك عن القدوم وبعث الجواب، عن شريف ذلك الخطاب، بأن الاجتماع المطلوب ب “وادي نون” لم يمكن الآن، فأجابه السلطان بالمجيء لأي محل وجده الحال به من الأوطان، فأمتثل ذاك وتحرك من محله بدرا طالعا، ونورا ساطعا، وغوثا جامعا مانعا، وسمة تشهد أنه من أكابر الصالحين الناجحين الرابحين، ما شئت من سناء تخجل منه الأقمار، وبهاء تجله الأبرار، وقد تصغر عنده الأقدار، وحالة تحبها القلوب، ويتقرب بالانتماء إليها من علام الغيوب، فلا شك أنه من بقية أهل الصدق والوفاء، والفناء في محبة الله ومحبة المصطفى، فلله دره ما أعظم منظره ومرآه

آياته تنبيك عن أخباره  حتى كأنك بالعيان تراه

ووصل لمراكش.. في يوم مبارك سعيد، امتلأ من الأنوار والإشراق، حتى كأنه عيد، وقابله السلطان بمزيد الاعتناء والكرامة، والمراعاة البالغة التي هي على حسن الاعتقاد علامة، واجتمع به وشافهه وطلب منه الدعاء في خلوة بقعر داره، وأطلعه على الحقير والجليل من أخباره، وكمين أسراره، فدعا له وبشره، وسكن أهواله بما ألقاه له وقرره، وابتهج السلطان بمقدمه، وأجرى عليه وعلى أتباعه ومريديه كثيرا من نعمه، وأنزله بدار الفقير الحاجب الأنجد، السيد أحمد بن الحاجب الوزير السيد موسى بن أحمد، وأباح له دخول من يأتي إليه بقصد التبرك والزيارة، وجاء إليه الناس في كثرة تكل عن إحصائها العبارة، وتلمذوا له واقتدوا به، واهتدوا بهديه وتعلقوا بسببه، وقد زرناه والحمد لله مرارا، وزاره أولادنا وأهلنا ودعا لنا ولهم دعاء مدرارا، وتلمذنا له والحمد لله.”

ونص رسالة السلطان التي بعثها إلى الشيخ ماء العينين، والتي أشار إليها الحسن بن اليماني؛ وجاء فيها ما نصه: “محبنا الأرضى الشيخ الفاضل البركة السيد ماء العينين وفقنا الله. وبعد فلما امتن المولى سبحانه على عبده بهذه الوجهة المباركة الباعث عليها إحياء تلك الرسوم وتعاهد تلك الأوطان وأداء حق الرعية المحتوم اقتضت الداعية الروحانية والسابقة العرفانية استدعاءكم لملاقاتنا حين نقرب منكم ونحل بوادي نول بقصد التبرك والمذاكرة في ذات الله التي هي منتهى المرام وغاية النيل والظن بكم أن داعية محبتكم لجانبنا قوية وأعطاف أردانها عطرة سنية وهي كفيلة بتطلبكم لملاقاتنا ولا سيما عند الاقتراب وإزالة الوصل عن محياه الجلباب.

وأبرح ما يكون الشوق يوما  إذا دنت الديار من الديار

والله سبحانه يجعلنا من الذين يظلهم الله بظله ويجعل محبتنا خالصة لوجهه الكريم والسلام في 15 جمادى الثانية عام 1303هـ“.

وبعد زيارة الشيخ ماء العينين هذه للسلطان الحسن الأول في مراكش، قرر السلطان إعطاء دعم مالي، لإعانة مدارس الشيخ فيما تقوم به من بث العلم ونشره كما سيأتي عند ذكر زواياه.

 

وكان السلطان يخصص أكثر من خمسين فسطاطا، تُهيأ وتُجهز لإيواء تلامذة الشيخ ماء العينين، وتبنى هذه الفساطيط إلى جانب محل نزول الشيخ، كلُ عشرة من التلاميذ في فسطاط.

ويتحدث محمد الحسن بن القائد إدريس بن يعيش عما شاهده من احترام السلطان و أعوانه للشيخ ماء العينين، فيقول:”..ثم إننا شاهدنا من احترام المخزن كله للشيخ عجبا، فقد كان الوزراء يخرجون عن إذن الملك لملاقاته، فخرج في عهد مولاي الحسن محمد الصغير الجامعي العلاف وزير الحرب، والفقيه علي المسفيوي وزير الشكايات، وفضول غريط وزير البحر وزير الخارجية، وابن العلام قائد المشور، فيخرج الكل في العسكر فيلاقون الشيخ في باب الرُب، ثم إذا اصطف الناس أمام الشيخ يدعو لهم، ثم يمال به إلى محل النزول، والكل معه، والنفقة على خزينة الدولة. ثم تكون الملاقاة مع الملك يوم الجمعة بعد الصلاة، والشيخ يصلي  إزاء الملك، وهذه هي العادة في عهد مولاي الحسن، وفي عهد مولاي عبد العزيز، وفي عهد مولاي عبد الحفيظ.”

وكان الشيخ ماء العينين عندما يسافر إلى مراكش أو إلى فاس تُجرى له مراسيم الاستقبال والضيافة في المدن التي يمر بها من قبَل ممثلي السلطان، وكذلك في حال أوبته إلى بلده، فيقوم القواد بضيافته وقضاء حوائجه، وذلك بناء على الأوامر التي تأتيهم من السلطان وفيما يلي نسوق أمثلة على ذلك: ففي رسالة من السلطان مولاي عبد العزيز إلى أحد قواده نقرأ:

الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله

خديمنا الأرضى القائد الرجراجي الشيظمي وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبعد فنأمرك أن تقوم بمئونة الشيخ البركة سيدي ماء العينين ليلتي مبيته باماست وبثلاثاء الحنشان وتعجل بإنزال ما فيه كفاية له ولمن معه منها في المحلين المذكورين ولا بد. والسلام في 23 رجب عام 1314هـ

وهذا قائد مدينة الصويرة يبعث برسالة إلى الوزير أبّاحمد يخبره بمرور الشيخ على المدينة وبما فعله معه.

الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله

أدام الله سعادة سيدنا الفقيه الأمجد الوزير الأسعد سيدي  أحمد بن الفقيه سيدي موسى بن أحمد.

أمنك الله وحفظك وسلام على مقامك الشريف ورحمة الله عن خير مولانا نصر الله.

وبعد فموجبه   إعلام سيادتك بحلول الولي الصالح الشيخ سيدي ماء العينين هذا الثغر السويري حرسه الله حلول حلول الأمن والسلامة،  واعتنينا بملاقاته والبرور بسيادته والوقوف على قضاء حوائجه إلى أن توجه صبيحة يوم تاريخه سالما مسرورا مبشورا، داعيا لمولانا ولسيادتك بصالح الأدعية نرجو الله تعالى قبولها… والسلام في 8  شعبان الأبرك عام 1314هـ

علي بن الحاج التاودي(12 يناير 1897م)

ومن ذلك ما جاء في رسالة جوابية بعث بها كل من أحمد برادة وعبد القادر الرزيني، أميني التعشير بمرسى الصويرة، في شأن حمل أمتعة الشيخ في الباخرة من الصويرة إلى الطرفاية ومما ورد في الرسالة بعد الحمدلة: “ننهي لكريم علم مولانا أيده الله أنه ورد علينا أمره المطاع بالله بإنزال الشيخ البركة سيدي ماء العينين في دار المخزن الكبيرة بالقصبة… اننا قد امتثلنا أمره الشريف من إنزال الشيخ البركة المذكور في دار سيدنا الكبيرة والقيام بمئونته ومئونة من معه مدة إقامته، وحزنا منه ما أراد توجيهه في البحر لمرسى الطرفاية من قشَّه وحوائجه و أصحابه، ووجّهناه في البابور، وقمنا أيضا بعلف ما عنده وعند من معه *(306)* من البهائم، واعتنينا به في ذلك إلى أن توجه بسلام أمس تاريخه وفق أمر مولانا المعتز بالله والسلام في 15 شعبان الأبرك عام  1314هـ خدام سيدنا أميني التعشير بمرسى الصويرة أحمد برادة وعبد القادر الرزيني”.

علاقة الشيخ بأمراء بلاد شنقيط

مما هو معروف أنه كانت  للشيخ ماء العينين علاقات كبيرة، بكثير من العلماء والأعيان والأمراء في بلاد شنقيط، وكان له بها أتباع كثر من العلماء والمشايخ، الذين أخذوا عنه الطريقة القادرية، وغيرها من الطرق الصوفية، وأنشئوا بها فروعا تابعة لزاويته ب”السمارة”؛ وقامت هذه الفروع بجهود كبيرة في بث العلم ونشر الطريقة في أرجاء كثيرة من بلاد شنقيط. وسيأتي التعريف بالكثير من هؤلاء الأعلام في الفصل الخامس من هذا الباب.

أ-علاقته بإمارة “آدرار”:

بدأت علاقات الشيخ بهؤلاء الأمراء، عام سبعة وسبعين بعد المائتين والألف، باللقاء الذي تم بينه وبين سيدي أحمد بن أحمد بن عيده في “آدرار”. وقد قابل سيدي أحمد هذا الشيخ ماء العينين بكثير من التبجيل والتكريم …. ثم توطدت هذه العلاقة في عهد ابنه أحمد الذي زار الشيخ بنواحي الساقية الحمراء، ثم بعد توليه مقاليد الإمارة أهدى له هدايا كثيرة من بينها حدائق نخيل؛ وهذا ما نلمسه من خلال الرسالة التالية: “الحمد لله الميسر أسباب النجاح، والصلاة والسلام على الواسطة في كل فتح، الوسيلة في كل ظفر ومنح. أما بعد إهداء تحيات يتأرج في سطور الطروس عبيرها، ويشرق في سماء الصحف منيرها، من أحمد بن سيد أحمد بن أحمد بن عيد إلى من تملأ القلوب مهابته، وتقوم بحسن تدبير الأقاليم كفايته الشيخ الذي هو فريد الزمان وبهجة الأوان حسنة الأيام والليالي افتخار ذوي المعالي صاحب القدر السامي، والكرم ألهامي، الشيخ الذي لا زال متنسما غوارب المجد، متنسما نسائم المدح والحمد، الشيخ الذي لا زالت عناية الله به محدقة، وشموس عزه بالإسعاد مشرقة، الشيخ ماء العينين، موجبه من أحمد أنه من تلامذتك وأنه لا يملك شيئا أحب إليه من جبر خاطرك، وأنه أهدى لك بحديقة عديمة الأمثال في “أطار” وحديقة في “شار” ونصف دار “شار” وما تحبه من أرضه وما أمكن له من الإعانة بخدامه ويقوم معهم برأسه. وإن أول البرد لا غرس فيه، وإنه يقدر لفواته ويأتي بالآلة أي بالحديد والزرع والسلام.

وبعد وفاة الأمير أحمد بن سيدي أحمد اضطربت الأوضاع في “آدرار” ووقع انشقاق لبعض القبائل مما حدا بالمختار بن عيد وابنه أحمد أن يبعثا برسالة إلى الشيخ يطلبان منه التدخل لتهدئة الأمور. ومما جاء فيها “… من المختار بن أحمد بن عيد وابنه أحمد إلى الشيخ ماء العينين وحلاوة سماع الأذنين، موجبه إليك، أوجب الله لنا ولك الخير ووقانا وإياك الضير، لتعلم أن أمور المسلمين متعلقة فيك جميعا، وتأكد آل عثمان، ولتعلم أن أمر آل عثمان في الساحل في جميع من يحمل السلاح ومن هو واضعه من الزوايا واللحمة، أنت المتولي له، وفي “آدرار”، يفعلون فيه ما هو وفق مرادك.. وتجري فيما يجمعهم مع ابن هيب، لا يترك محبته ووده في آل عثمان بسبب أبنا أبي السباع“.

وفي رسالة جوابية كتبها أحد مريدي الشيخ ماء العينين للمختار: “.. إن شيخنا وصله الكتاب الذي أرسلت له، وسره وقبله وقبل ما تضمنه من تجديد العهد القديم، والود الصميم، وكونك في قبضته… وقال لك شيخنا: إنك تشد نطاق العزم، وتتقلد بصارم الحزم على حرم عيال الله، فإنك إن فعلت ذلك بأن حميتهم ووقفت دونهم، يحمك الله وينصرك بلا شك ولا ريب وأن محمد الأمين بن أحمد زيدان، ذكر له أنك لم تفعل معه إلا الأحسن فيما خفي وما علن. وطلب لك غاية ونهاية شيخنا. كتبه عن إملاء من شيخنا في الخامس من صفر عام 1318 من الهجرة النبوية على صاحبها ألف صلاة وألف تحية، سيدي محمد بن عبد العزيز بن إبراهيم بن حامن.

وبلغت هذه العلاقات أوجها في عهد الأمير سيد أحمد بن عيده، شهيد”وديان الخروب” 1932م الذي تربى تحت رعايته ودرس عليه ب”السمارة” واستمرت علاقته بأبناء الشيخ من بعده إلى أن استشهد وهو في طريق هجرته إلى آل الشيخ ماء العينين بالشمال.

ب-علاقته بأمراء الترارزة:

أما أمراء الترارزة فأول من أقام علاقات مع الشيخ، هو الأمير أعلي بن محمد الحبيب، إذ كان يبعث له بالهدايا والرسائل. وقد ذكر في إحدى رسائله إلى الشيخ أنه يتمنى أن يذهب إليه للزيارة والتبرك. وجاء في رسالة الأمير أعلي ما نصه: “الحمد لله الذي جعل القلم أحد اللسانين وينبئ عما في الضمائر بين المحبين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد فمن أعل بن محمد لحبيب وقاه الله شر البغيض والحبيب إلى ثمرة الأسرار ومنبع الأنوار ماء العيون ومجمع الفنون متعنا الله بمحياه ولا عدمنا رؤية محياه ولا زال للدهر عمادا وللأرض أمانا وأوتادا وللأقارب والأحباب سنادا وعلى الأعادي والحساد حنظلا ونفادا ولجميع المسلمين رحمة وودادا.. موجبه لا زلت آمنا في سربك ويتنافس المتنافسون في قربك إعلامك أني محب لك ومشتاق لرؤيتك والذي منعني من زيارتك والإقدام إليك لأن بلدك الذي أنت فيه لست آمن فيه إلا بعسكر عظيم ولا أحب أن أقدم عليك بعسكر يضيع ما معك من الناس والذي نحب أن تقدم علينا إن أمكن لك ذلك أو تركب إلى بلد يليق بي ونأتيك فيه ونحب منك أن تجعلني في خاطرك ولا تخرجني منه أبدا. ويسلم عليك الكاتب ويلتمس منكم صالح الدعاء. المختار بن لمزيدف مريد الشيخ سيدي“.

وظلت هذه العلاقة مستمرة في ظل من جاء بعده من أمراء آل محمد الحبيب، لا سيما أحمد الديد بن محمد فال الذي جاءت به أمه إلى الشيخ ماء العينين-وهو رضيع- وطلبت من الشيخ أن يأذن لزوجته مليكة أن ترضعه، فأرضعته مع الشيخ عبداتي بن الشيخ ماء العينين .

ومما يجدر ذكره أن الأمير أحمد بن الديد وفد مرتين على الشيخ ب”السمارة” . وقد توطدت علاقة أبناء بيت هذه الإمارة بالشيخ، وترسخت أثناء فترة الجهاد ضد القوات الفرنسية الغازية لبلاد شنقيط.

ج-علاقته بأمراء البراكنة:

وترجع علاقة الشيخ بأمراء البراكنة إلى بداية زمن الأمير أحمد بن سيدي اعلي الذي كان يتبادل معه الرسائل في شأن جهاد النصارى، ولم يزل التنسيق بينهما قائما إلى أن هاجر الأمير أحمد وابنه ولد عساس إلى الشيخ للمشاركة في حملة الجهاد، ضد القوات الفرنسية الزاحفة على بلاد شنقيط، وبعد وفاة الشيخ، استمر على علاقته بآل الشيخ ماء العينين إلى أن توفي رحمه الله سنة 1932م ودفن بطاطا بالجنوب المغربي في عهد الشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماء العينين.

هـ-علاقته بأهل لمْحيميد أمراء “الحوض”:

ترجع هذه العلاقة إلى زمن الشيخ ماء العينين مع أهله ب”الحوض”، قبل سفره إلى بلاد “الساحل”. ذلك أن والده الشيخ محمد فاضل أرسله إلى “تكانت” في بعض أموره، فالتقى بها بأحمد محمود بن لمحيميدْ الذي “أكرمه غاية الإكرام – كما ذكر الشيخ النعمة – وأهدى له جملا في نهاية الحسن. وقال له أحمد محمود: هذا الجمل كان لأبي، ولما مات أمسكته، ولم أرض بركوب أحد له بعد والدي. فلما رأيتك علمت أنه لا يستحقه غيرك. ثم طلب منه أن يضمن له على الله عدة مسائل: الأولى، أن ترتفع بقيادته قبيلته حتى تكون في مصاف القبائل القوية؛ والثانية، أن يرجع إلى بلاد الحوض وينزل موضع “أنْولْ” الذي كانوا قد أجلوا عنه قبل ذلك بسبب الحروب مع بعض القبائل؛ والثالثة، أن لا يلقاني أحد من العرب ولا غيره إلا كانت الغلبة لي عليه، وآخذ بثأري من إدغْموسه الذين أخرجونا من بلاد “الحوض”، حتى صرنا تحت إدوعيش في “تكانت”.. فدعا له الشيخ ماء العينين أن يحقق الله له ما أراد”.

 

 

المصدر: كتاب الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الأول، الطبعة الثانية صفحات 150-151-152-153-154-155-156-161-162-163. تأليف: الطالب أخيار بن الشيخ مامينا؛ منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية.