
نشرت الصحيفة الاسبانية VIDA ESPANOLA في عددها 120- السنة الثالثة، بتاريخ الأحد 6 غشت 1907، مقالا مطولا عن التوسع الفرنسي في المغرب كما كتبت تحت عنوان ” LA PENETRACION PACIFICA- الاختراق السلمي”،أردفت أسفله عناوين صغيرة فرعية من بينها عنوان “مطاردة ماءالعينين Persecucion DE Ma-el-ainin”،إضافة إلى عنوان آخر يتحدث عن معركة قصبة تادلة.
يشير المقال إلى التدخل الفرنسي العسكري، مع التركيز على قدوم الشيخ ماءالعينين بدعوة من مولاي عبد الحفيظ و الرد الفرنسي على هذا التقدم و تبعاته، حيث تكتب بما مفاده أن الفرنسيين قاموا بحملة “جاءت بسبب الشيخ الشهير ماء العينين. فبعد أن طُرد من المناطق التي تحت السيطرة الفرنسية، لجأ في نهاية العام الماضي إلى السلطان مولاي حفيظ، الذي سمح له بالاحتماء في منطقة سوس. اعترضت فرنسا على هذا القرار، فتعهد السلطان بإبعاده.” خاصة بعد علمهم كما تشير الصحيفة بنية الشيخ” السير نحو فاس برفقة 500 من مقاتليه “الرجال الزرق”، على طريق سيمر قريبًا من المواقع الفرنسية المتقدمة. لم تستطع فرنسا البقاء مكتوفة الأيدي أمام هذا التحرك، إذ خشيت أن تثير دعوات هذا الزعيم الديني حماس بعض القبائل، وأرادت منع أي نهب قد تقوم به قواته ضد القبائل المسالمة. كما رأت في هذه الفرصة إمكانية للقبض عليه. لذلك و حسب الصحيفة إلى أنه “تم تنظيم حملة عسكرية بقيادة الجنرال مونييه، الذي أرسل قوتين عسكريتين… انطلقت القوتان من سطات وقصبة ابن أحمد، بينما تولى الجنرال مونييه في الدار البيضاء الإشراف على تعزيزات احتياطية لدعم القوات المتقدمة عند الحاجة.”
تسهب الجريدة في رصدها لمجريات الحملة، حيث كتبت ما مفاده أن ” المسيرة كانت شاقة للغاية، عبر منطقة قاحلة بلا ماء، وتحت حرارة شديدة لدرجة أن ألواح التصوير الفوتوغرافي كانت تذوب. لكن القوات الفرنسية تقدمت بشجاعة وانضباط، ووصلت في 21 يونيو إلى قصبة تادلة، التي تقع على الطريق المؤدي إلى فاس، حيث كان يُعتقد أن ماء العينين سيمر.
هناك، اندلعت المعركة الأولى. امتلأت قمم الجبال القريبة بالفرسان المغاربة الذين أطلقوا وابلاً من النيران على الفرنسيين. ردت المدفعية الفرنسية بقوة، مما أجبر المغاربة على التراجع، لكنهم سرعان ما أعادوا تنظيم صفوفهم وشنوا هجومًا شرسًا. انتهت المعركة بهجوم فرنسي بالحراب، أجبر المغاربة على الفرار. لكن تبين أن القبائل خاضت القتال فقط لإتاحة الفرصة لماء العينين للفرار، وهو ما نجح فيه، إذ تمكن من الهرب مع أنصاره عبر جبال الأطلس.
بما أن الهدف الرئيسي للحملة كان القبض عليه، فقد اعتُبرت الحملة فاشلة، ولم يكن هناك جدوى من البقاء في الأراضي التي تم احتلالها مؤقتًا. انسحبت القوات الفرنسية بعد أن تكبدت خسائر بلغت 13 قتيلًا و70 جريحً”
ثم تتحول الجريدة في مقالها إلى مجريات الأحداث التي شهدتها بعض من مناطق المغرب.
موافقة للقراءة الاسبانية لأحداث تازة، نورد رواية المقاومة و تفاصيل حركة الشيخ ماءالعينين،حيث يتحدث الفقيه و المؤرخ الشيخ الطالب أخيار بن الشيخ مامينا في كتابه عن ذلك بقوله:
“فلما بلغ الشيخ أرض تادلة”، قامت قيامة العسكريين الفرنسيين، ووجهوا تحذيرا شديد اللهجة للسلطان في حالة استقباله للشيخ ماء العينين أو مد يد العون له؛ وهددوا بأنهم سيعلنون الحرب عليه. وأصبح موقف السلطان حرجا فلم يجد السلطان بدا من إرسال بعثة تضم عبد الله بن إدريس بن يعيش وهو ابن مريد الشيخ، والشيخ أحمد بن الشمس وهو مريده أيضا وخليفته وقيم زاويته بفاس فتلقياه في الطريق وأبلغاه رسالة من السلطان يلتمس منه تأجيل الزيارة إلى وقت آخر.”
يقول الشيخ ماء العينين بن العتيق في كتابه سحر البيان:
“وقعت أمور من الأجانب أمامه مع مولاي عبد الحفيظ، فاقتضى الحال والنظر رجوعه عن فاس. فرجع رضي الله عنه على طريق الجبل حتى مر على رأس وادي سوس حتى نزل بالمحل المسمى بالبورة وهي بإزاء مدينة تارودانت، وفيها بعض أحيائه من أولاده وأقاربه وتلامذته، فلبث هنالك شهرا ثم سافر غرة شهر رمضان إلى محله في تيزنيت.”
كما يقول الشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماءالعينين:
“فرجع رضي الله عنه على طريق الجبل فنزل يوما بموضع يقال له : “بكماز” وهو موضع صعب، تمكث الثلوج عليه أربعة أشهر، وقال إنه حدثه محمد الإمام بن الزين العلوي أنه رأى في هذا الموضع شيخا كبيرا يقرأ القرآن فقال له من أنتم؟ قال له : نحن أهل الشيخ ماء العينين. فقال له الشيخ : صاحب الساقية الحمراء نطلب بركته فنجدها. ثم سار حتى مر على رأس وادي سوس إلى أن نزل دار حيده بن أميس ليلة الثلاثاء الثالثة من شهر شعبان عام ثمانية وعشرين بعد ثلاثمائة وألف” (1)
تحدث الأستاذ علال الخديمي عن الاشتباكات التي جرت في ناحية تادلة، بين المجاهدين وحدات من الجيش الفرنسي إبان مرور الشيخ ماء العينين بها، وذكر أن الفرنسيين تكبدوا خسائر كبيرة خلال هذه المواجهات، وأنهم أخفقوا في القبض على الشيخ ماء العينين وقال :
« وفي صيف 1910 دفعت ظروف المغرب أنذاك، والصراع اليائس الذي كان مولاي عبد الحفيظ يخوضه ضد الهيمنة الفرنسية من جهة وضد عوامل التذمر من سياسة السلطان الداخلية من جهة أخرى دفعت الشيخ ماء العينين، للانتقال نحو فاس للقاء السلطان. وإذا كانت المصادر لا تسعف بمعرفة حقيقة تلك الزيارة، فإنه من المؤكد أن هدفها هو محاولة جمع صفوف المغاربة لمواجهة الفرنسيين، ويدل على أن هؤلاء لم يغفلوا لحظة واحدة في تتبع خطوات الشيخ وملاحقة أخباره وهو يتنقل في اتجاه فاس، مستهدفين هذه المرة إلقاء القبض عليه، وهو ما أكدته محاولتهم بتادلة، حينما كان الشيخ في طريقه الفاس كان الجنرال موانييه MOINIER قائد جيش الاحتلال بالشاوية يخطط للاستيلاء على الشيخ وأتباعه. فبتاريخ 16 يونيو نظم طابورين حقيقيين أولهما انطلق من قصبة ابن أحمد بامزاب بقيادة الكمندار أوبير AUBERT والثاني انطلق من سطات بقيادة القبطان تريبالي TRIBALET : كانت وجهة الطابور الأول شرقا أي نحو أبي الجعد ووجهة الثاني منطقة البروج. وهدفهما المشترك هو محاصرة الشيخ ماء العينين بين القصبة الزيدانية ودار ولد زيدوح وإلقاء القبض عليه. وفي نفس الوقت هيئت قوة ثالثة كبيرة بقيادة الجنرال موانييه MOINIER نفسه لتكون مددا وتوفر التموين ولما توغلت القوات الفرنسية في تادلة ناوشها سكان القتال، حيث وقع اشتباك بينها وبين أيت الربع إلى الشمال من قصبة تادلة يوم 19 يونيو بعد قصف الفرنسيين لها بالمدفع. وفي 21 يونيو حدث قتال آخر في الغرب من الزيدانية حيث هاجم بنو عمير القوات الفرنسية. ويبدو أن هذين الاشتباكين كانا مجرد اختبار لقوة العدو. (2)
المصادر:
1- الطالب أخيار بن الشيخ مامينا، الشيخ ماءالعينين علماء و أمراء في مواجهة الاستعمار الأوربي جزء 2، بتصرف ص380و 381.
2-علال خديمي: محاضرة بعنوان الشيخ ماء العينين ومقاومة التدخل الفرنسي في المغرب. مجلة دراسات العدد الأول 1987م كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة ابن زهر أكادير ص 48.