المخطوطات الطبية في المكتبة المعينية «شفاء الأنفاس بما ينفع الأسنان خصوصاً الأضراس» / د. محمد عالي أمسكين

مقدمة:

تعد مكتبة الشيخ العلامة سيدي مصطفى ماء العينين (ت 1910م) من أكبر المكتبات في القطر الصحراوي، قال المانوزي : «و من المكتبات الضخمة، مكتبة الشيخ ماء العينين ابن مامين القلقمي الصحراوي دفين تزنيت، فإنها مكتبة عظيمة لا تقل عن مكتبة تیمکیدیشت »(1).

إن مكتبة الشيخ ماء العينين، كانت مضرب الأمثال، لما يوجد في هذه الخزانة من الأسفار النفيسة، والذخائر الفريدة، والمجلدات العجيبة والأعلاق الغريبة، وكانت تحوي هذه الخزانة على أكثر من عشرة آلاف كتاب (2) موزعة على جميع الفنون في مختلف المجالات جلبها الشيخ من شتى البقاع والبلدان، ما أفاد به الباحث الإسباني خوليو كارو بروخا:”«أعز شيء عنده، وهي المكتبة التي وفق في أن يجمع فيها عدداً من الكتب المطبوعة في القاهرة والقسطنطينية وكبريات المدن في الشرق، علاوة على ما يطبع في الغرب في فاس والجزائر وغيرها، ومخطوطات ثمينة لعلماء وشعراء بالإضافة إلى المؤلفات الشخصية» . “(3)

ومن هذه المؤلفات المخطوطة التي ألفها الشيخ ماء العينين كتابه «شفاء الأنفاس بما ينفع الأسنان خصوصا الأضراس». الذي أفرد الحديث عنه في العناصر الآتية:

العنصر الأول: ترجمة موجزة للمؤلف والناسخ.

العنصر الثاني: التعريف بالمخطوط. يتضمن الوصف، والنسبة وموضوع الكتاب.

أولاً : ترجمة المؤلف.

هو، سيدي المصطفى بن محمد فاضل بن محمد الأمين اشتهر الشيخ سيدي المصطفى بماء العينين، ولد الشيخ العالم سيدي المصطفى بن محمد فاضل بالحوض الشرقي بموريتانيا حالياً، يوم الثلاثاء (27 شعبان 1246ه، الموافق 10 فبراير 1831م).

يعد الشيخ سيدي المصطفى ماء العينين، علماً من أعلام الصحراء الكبار، وأشهر من نار على علم كما يقال، طبقت شهرته الآفاق بعلمه وجهاده وأخلاقه، وتربيته وسلوكه

نشأ وتربى كما ينشأ غلمان ذلك الزمان، فأخذ العلوم الأولية عن والده الشيخ المشهور محمد فاضل بن مامينا، فتربى في حضنه، ولازمه في التربية والتكوين والتعليم، ونبغ سيدي المصطفى نبوغاً مبكراً في التحصيل.

قال عنه محمد الأمين الشنقيطي في الوسيط هو العلامة الوحيد له معرفة بعلوم الشرائع)) . (4)

اهتم كثير من العلماء والمؤرخين بالشيخ ماء العينين، ترجمة ، وذكراً لأخباره ومراحل حياته (5)، ومنهم : أحمد الناصري في كتابه المحيط»، إذ وصفه بقوله: واشتهر ذكره في سائر الأقطار وأقبل الناس عليه، وقصدوه وتلمذوا له، وافتخروا بالأخذ عنه والانتساب إليه وإلى زمرته. وأدرك الجاه العريض، والحظوة التامة عند الملوك والأمراء والوزراء، ونال من الدنيا مالم ينله غيره مع الاتصاف بالجود والبذل والعطاء، ولم يظهر من حاله في كل أطواره، إلا الاستقامة، ودلت تصرفاته كلها على أنه كان ملحوظاً بعين العناية الربانية وأخباره وأحواله في العلم والطريق والسياسة واسعة طويلة الذيل مديدة السيل، تستغرق مؤلفات خاصة بموضوعاتها» (6)

إن المكانة العالية التي حظي بها سيدي المصطفى ماء العينين، جعلته قبلة لأصناف الناس، وأطيافهم من المريدين، وطلاب العلم وأهل العلم، فحرصوا على التبرك به، والسماع منه والأخذ عنه. وقد ذكر له صاحب علماء وأمراء، ما يزيد عن سبعمنة تلميذ ومجيز (7).

وفاته:

توفي الشيخ المجاهد سيدي المصطفى منتصف ليلة الثلاثاء (21) شوال سنة 1328هـ، الموافق 10 أكتوبر سنة 1910م)، عن سن يناهز 79 سنة، بمدينة تزنيت بالسوس الأقصى وسط المغرب ).(8)

الناسخ والسائل (الجيه).

هو الجيه بن الشيخ ماء العينين سيدي المصطفى بن الشيخ محمد فاضل الشهير بـ: مامين أمه عايشة بنت محمد فال بن الطالب من قبيلة ال جيه المختار .

ولد الجيه بإقليم الساقية الحمراء جنوب المغرب، (سنة 1305 هـ / 1886م)، تعلم على والده ماء العينين وأخذ عنه المعارف الأولية وعلى شيخه في القرآن الحضرامي السباعي وعلى أخيه الولي الذي أجازه فيه .

وصفه ابن العتيق ماء العينين: «كان من الكرماء الأدباء والنزهاء النجباء، كيساً ذكياً حسن الخلق، ورعاً عابداً كثير التلاوة من الحفاظ المهرة لكتاب الله تعالى».

أسهم الشيخ الجيه مع أخيه أحمد الهيبة في الحركة النضالية والجهادية في جنوب المغرب، وسار على النهج نفسه مع أخيه أيضاً مربيه ربه. وتوفي رحمه الله» بمنطقة بيزكارن سنة (1361 هـ / 1942م).(9)

ثانيا: التعريف بالمخطوط

الاسم و النسبة:

شفاء الأنفاس فيما ينفع الأسنان وخصوصاً الأضراس». نسب هذا المخطوط إلى الشيخ ماء العينين، حيث جاء ذكره في معجم المخطوطات الموريتانية: «شفاء الأنفاس بما ينفع الأسنان خصوصا الأضراس للشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل القلقمي المتوفى سنة 1328ه .»(10)

كما نسبه إليه صاحب كتاب علماء وأمراء في باب مؤلفات الشيخ ماء العينين في مجالات مختلفة.(11)

ونسب المؤلف الكتاب إلى نفسه كالعادة في آخر ورقة للمخطوط بقوله: وسميت هذه الكلمات شفاء الأنفاس بما ينفع الأسنان خصوصاً الأضراس والسلام في 6 من شوال 1326ه عبيد ربه ماء العينين بن شيخه الشيخ محمد فاضل

وصف المخطوط:

النسخة تامة غير ناقصة بدايتها : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وسلم)). ونهايتها  انتهت هذه النسخة على يد ..))

  • عدد الصفحات 6 صفحات.
  • عدد الأسطر في كل صفحة 17سطرا.
  • متوسط الكلمات في كل سطر ما بين  9 إلى 10 كلمات.
  • المداد المستعمل النص كله مكتوب بالأسود
  • صفحات اللوحات مربوطة أي مرقصة ومعقبة .(12)
  • حالة النسخة سليمة وواضحة، فيها آثار خفيفة للأرضة في الجانب وهي مقروءة، فيها ضرب وتصويب ظاهر في طررها.
  • نوع الخط كتبت النسخة بخط مغربي صحراوي، تتجلى فيه الصفات المحلية القطرية ببساطته وغلظ حروفه وكلماته، مع احتفاظه بنوعية الخط المغربي المجوهر.
  • الناسخ الجيه بن الشيخ ماء العينين كما في النسخة انتهت هذه النسخة على يد عبيد ربه الجيه بن الشيخ ماء العينين)) . وقد نسخ هذه المؤلفة سنة 17شعبان 1343هـ.

ثالثاً: موضوع الكتاب

المؤلف جاء جواباً لسؤال وجهه الجيه لشيخه وأبيه سيدي المصطفى ماء العينين، الذي أجابه بقوله: وبعد فإنك أيه الابن الحاذق والمريد الصادق طلبت مني شيئاً ينفع المطلق الأسنان خصوصاً الأضراس الجواب والله الموفق للصواب.»

ولقد استهل ماء العينين جوابه بالوقاية خاصة النظافة التي عمادها السواك، محددا أوقاته وفضائله فقال : اعلم أن تدبير الأسنان أن تعاهد بالسواك عند الانتباه من النوم ……….) وفي السواك عشرة خصال………

ثم انتقل إلى المرحلة الثانية، وهو العلاج بالرقية الشرعية، واستدل على ذلك بما ورد في السنة النبوية منها قوله: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: من اشتكى ضرسه (……) وليقرأ عليه هذه الآية سبع مرات، قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) } .(13)

وغيرها من الروايات والآثار التي ساقها في هذا السياق، مرتبة ترتيباً حسناً بدءاً بالآيات القرآنية، ثم الأحاديث النبوية ثم الآثار الموقوفة.

والمرحلة الأخيرة، خصصها للعلاج الطبي، ومهد لها بأسباب ألم الأسنان فقال ما نصه: «وسببه زيادة برد عارض، أو دودة تتحرك داخل الضرس وختمها بالوصفات الطبية فقال: «العلاج من الأدوية تسحق الفلفل والثوم يعجنان بلباب خمير الحنطة، ويضمد به الضرس وما حوله من جميع موضع الألم.

ومن الوصفات العجيبة التي ذكرها رحمه الله، عندما لا يسكن الألم، أن في الضرس دودة يجب قتلها، والسبيل إلى ذلك قوله: فان في الضرس دودة تتحرك، فيحمي رأس إبرة ويوضع على رأس الضرسة الوجيعة فإنه يقتلها».

وهكذا استكمل الشيخ علاجه لوجع الأسنان ولاسيما الأضراس، عبر المراحل : الثلاث، متخذا قاعدة صلبة بدأ بها تأليفه هي الوقاية خير من العلاج. الذي ألفه سنة في 6 من شوال 1326ه.


(1) – المعسول المختار السوسي (۳۲۷/۳)

(2) – علماء وأمراء، الطالب أخيار (۱۸۷/۱)

(3) – دراسات صحراوية، خوليو كارو بروخا، (JULIO CARO BAROJA) ترجمة أحمد صابر ( ص: ٤٣٢)

(4) الوسيط في تراجم أدباء شنقيط أحمد بن الأمين الشنقيطي (ص: (٣٦٥)

(5) منها كتاب علماء وأمراء، أفضل دراسة شاملة وعامة عن ماء العينين، ومادة دسمة في مجلدين طبعت مؤخرا للطالب أخيار.

(6) المحيط بالمهم من أخبار صحراء المغرب وشنقيط جعفر الناصري (١٦٨/٢).

(7) علماء وأمراء، الطالب أخيار (٦٠٢/١ إلى ٦٢٤).

(8) الوسيط الشنقيطي (ص: ٣٦٧) حفريات صحراوية، عبد الوهاب بن منصور (ص: ۸۳) التأليف و نهضته بالمغرب في القرن العشرين من ۱۹۰۰ إلى ۱۹۷۲ ، عبدالله الجراري (ص: (٧٥) الشيخ ماء العينين فكر وجهاد، ندوة علمية ط ١: ١٤٢١ -…..

(9) مصادر ترجمته: سحر البيان في مناقب شيخنا الشيخ ماء العينين الحسان لابن العتيق ماء العينين مخطوط (ورقة) (۱۱۸)، علماء وأمراء (ص: ۳۱۰) مدرسة السمارة أعلام وأعمال د مرزوك سمير (ص: ٢٦١)

(11) معجم أسماء المؤلفات الموريتانية المخطوطة، د اسلم بن السبتي (ص: ۱۹۳، حرف (ش) (۳) علماء وأمراء، للطالب أخيار (ص: ۱۳۷)

(12) هو نوع من الترقيم استعمله القدماء لترتيب مؤلفاتهم وتسمى الرقاص والواصلة، وتعني أن يثبت الناسخ في نهاية الصفحة تحت آخر كلمة من السطر الأخير أول كلمة في الصفحة الموالية. معجم مصطلحات المخطوط شوقي بنين ومصطفى الطوبي ص 61.

(13) سورة الملك الآية ٢٣