
في معنى التحقيق…
التحقيق في اللغة: التصديق أو قول الحق، والإحقاق: الإثبات، يقال: أحققت الأمر إحقاقًا: أي: أثبته وأحكمته وصححته…
والتحقيق في اصطلاح نشر التراث: «هو أن يُؤدَّى الكتاب أداءً صادقًا كما وضعه مؤلفه كمًّا وكيفًا بقدر الإمكان». والكتاب المحقق: «هو الذي صحّ عنوانه واسم مؤلفه ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه».
ولتحقيق هذه الغاية لا بد من إجراءات علمية تدور على النقاط التالية:
1- تحقيق عنوان الكتاب.
2- تحقيق اسم المؤلف.
3- تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
4- تحقيق متن الكتاب حتى يظهر بقدر الإمكان مقاربًا لنص مؤلفه.
المهم في التحقيق أنه خطوة منهجية لإثبات أولا صحة الكتاب ونسبته لمؤلفه، وثانيا دراسة ما في الكتاب والإحالة على ما ورد فيه من جهة الهوامش والمراجع.
كتاب المغري …
حقق الدكتور أنس أمين كتاب الشيخ ماءالعينين ” مغري الناظر والسامع على تعلم العلم النافع “، وطبع من طرف دار نينوى للدراسات والنشر. يقع الكتاب في 222 صفحة من الحجم المتوسط.
يقول صاحب التحقيق في مقدمة الكتاب ” …ولعل هذا الكتاب…يحث الناشئة على طلب العلم والسعي الحثيث إلى التحصيل الفكري والمعرفي والتشجيع على البحث من خلال أربعة فصول عرض فيها الشيخ ماءالعينين حجية شرف العلم وفضل العلماء مدمغا إياها بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وما أثر من أقوال الصحابة والعلماء مع بسط بعض الشواهد العقلية التي تدل على تفضيل العلم عقلا “. (1)
كتاب مغري الناظر والسامع على تعلم العلم النافع طبع إبان الحرب الأهلية في سوريا. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على إشاعة العلم والمعرفة رغم المحن وقلة الأمن.
هدف الشيخ ماءالعينين من تأليفه كتاب ” المغري ” الدفاع عن إشاعة العلم والتعلم وهذا طبعا ديدن علماء التصوف.
لذلك ينصح الشيخ القارئ المتعلم والباحث بأهمية الدراسة والتتبع. لأن العلم يرفع مقامات الرجال ويصون المجتمع ومن خلاله يشيع العلم و تتطور الأنفس ويحضر الوعي والاتزان. ويقل الجهل.
يرغب الشيخ ماءالعينين في طلب العلم وينصح به،وهنا يقصد الشيخ بالعلم المعارف الشرعية من فقه وأصول وتفسير وعلوم الحديث… إلى غير ذلك من العلوم النقلية. ولكن الدعوة عامة وتحبيب طلب العلم ليس مقصورا على العلوم الشرعية فقط.بل تتعداها إلى الانفتاح على كل المعارف والعلوم التي تخدم الإنسانية.
فصول الكتاب :
وضع الشيخ ماءالعينين كتابه في أربعة فصول. اختار في الفصل الأول الحديث على بعض ما ورد في ذلك الكتاب الذي بعضه يكفي بالعجب العجاب .
وفي الفصل الثاني ذكر بعض الأحاديث التي لا ينبغي عنها الترييث.
أما الفصل الثالث فقد تحدث الشيخ ماءالعينين ” في بعض ما ورد من الآثار عن الصحابة وبعض أهل العلم ذوي الانوار”
ليختم كتابه بالانفتاح على الشواهد والحجج العقلية الدالة على نجاعة التعلم .
لا يخرج الكتاب عن المشروع التربوي للشيخ ماءالعينين، وقد أشرت في أبحاث عن هذه الشخصية العلمية ،أنه يملك مشروعا تربويا متكاملا ينافس به كبار وفطاحل العلماء المشارقة الإمام الغزالي والرازي والقشيري. وهو المشروع الذي يتأسس على ثلاثية التربية والعلم والجهاد.
يشتمل الكتاب على قضايا فكرية ومسائل شرعية وفوائد، يقول الشيخ ماءالعينين في هذا الصدد : ” فهذا الكتاب يحث على العلم ببيان فضله والتعليم بالكتاب والأخبار والآثار والحكايات عن أهل التفهيم ،وجعلته أربعة فصول كالعام .جعله الله تعالى مقبولا في البدء والختام “(2)
ومن خلال قراءتنا للكتاب تبين لنا مدى عبقرية الشيخ وقدرته الفائقة على المحاجة دفاعا عن موقفه احول نشر العلم، ففي الفصل الأول المسمى ” في بعض ماورد من الكتاب الذي بعضه يكفي بالعجب العجاب ” .فقد قدم الشيخ مجموعة من الأدلة والحجج من :
القرآن الكريم
التوراة
الإنجيل
لإثبات أهمية العلم والتعلم وعظمة العلماء وأهمية إجلالهم ، وقد أورد مثلا حديث مقاتل بن سليمان : ” وحدث في الإنجيل أن الله تعالى قال لعيسى بن مريم عليهما السلام : ( ياعيسى: عظم العلماء، واعرف فضلهم ،فإني فضلتهم على جميع خلقي إلا النبئين والمرسلين “.
وشرح الشيخ ماءالعينين قوله تعالى ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم “سورة النساء الآية 59” إذ المراد من اولي الأمر العلماء في أصح الأقوال لأن الملوك يجب عليهم طاعة العلماء ولا ينعكس “(3)
كما استدل الشيخ ماءالعينين بأهمية العلم من كتاب صحيح الإنجيل ” قال الله تعالى في السورة السابعة عشر منه : ويل لمن سمع فلم يطلبه ،كيف يحشر مع الجهال إلى النار .فاطلبوا العلم وتعلموه ،فإن العلم ان لم يسعدكم لم يشقكم”(4)
أما الفصل الثاني من الكتاب،فقد أورد الأحاديث النبوية واصفا أهميتها بقوله ” في بعض الأحاديث التي لا ينبغي عنها ترييث (5)
رتب الشيخ الأحاديث وعددها، وقد جمع 167 حديثا تؤكد على طلب العلم ” واعلم أني إن تتبعت ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى لأحتجت إلى مجلد له وحده .ولكن في هذه المائة والسبعة والستين كفاية لمن أريدت به عناية ” 6
واخيرا ، يثبت الشيخ ماءالعينين مجددا تميزه الفكري والمعرفي وموسوعيته ،ليشكل مدرسة متكاملة الأركان، ثلاثية منهجية أساسها العلم وجذرها التربية و طريقها الجهاد وهو جهاد النفس وجهاد البناء.
محمد الاغظف بوية (7)
هوامش
1 مقدمة الكاتب المحقق الدكتور أنس امين كتاب مغري الناظر والسامع على تعلم العلم النافع للشيخ ماءالعينين.
2 نفس المصدر ص 31
3 نفس المصدر ص 40
4 نفس المصدر ص47
5 نفسوالمصدر ص49
6 نفس المصدر ص 95
7 كاتب وباحث في الفكر والسياسات الاجتماعية .