مغري الناظر والسامع على تعلم العلم النافع للشيخ ماءالعينين/بقلم الأستاذ سعدن ماءالعينين

 بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم .
اطلعت على مخطوط شيخنا الشيخ ماءالعينين المسمى :(مغري الناظر والسامع على تعلم العلم النافع ) وهو مؤَلَّفٌ (بفتح اللام وتشديدها) جليل القدر لِعَالِمٍ رباني عظيم الشأن والمكانة.


ومن خلال العنوان يُعْلَمُ مابين دفتي الكتاب الذي حمل بين طيات صفحاته فصولًا أربعة مرتبة ترتيبا علميًا دقيقًا .ففي فصله الأول تطرق الكاتب إلى ما يحث على العلم وفضله ورفعت صاحبه بأدلة من كتاب الله الجامع كقوله تعالى :(وعلَّم ءادم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) الآية 31 من سورة البقرة، وإنطلاقا من هذه الآية الكريمة أبرز شيخنا فضيلة العلم على أوجه:
الوجه الأول : تسمية العلم بالحكمة كقوله تعالى :(وماأنزل عليكم من الكتاب والحكمة )الآية 231 سورة البقرة.

الوجه الثاني:في قوله تعالى:(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون) الآية 9 سورة الزمر ، وهي إشارة لفضلية العالم على الجاهل.
الوجه الثالث: قال تعالى :(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)الآية 59 من سورة النساء.والمراد بأولي الأمر هنا العلماء على أصح الأقوال ، وهنا أسوق لكم قول حبر الأمة وترجمان القرءان عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره للآية أن أولي الأمر هم أهل الفقه والدين، ومن أجمل مارأيت في تفسيرها ماجاء به الرازي رحمه الله حين قال:(أعمال الأمراء والسلاطين موقوفة على فتاوى العلماء والعلماء في الحقيقة أمراء الأمراء فكان حمل لفظ أولي الأمر عليهم أولى ( أي العلماء) كتاب مفاتيح الغيب الجزء 5/صفحة 260.
الوجه الرابع:تجلى في قوله تعالى :(يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) الآية 11سورة المجادلة. فكان رفع الدرجات والأقدار على قدر معاملة القلوب بالعلم والإيمان.
الوجه الخامس: انطلاقا من قول المولى عزوجل :(إنما يخشى الله من عباده العلماء) الآية 28 سورة فاطر ،ندرك أن العالم بدين الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الملتزم بشرائع الله القائم بالأوامر والمجتنب للنواهي هو أشد خشية لله ،فثبت بذالك إن هذه الخشية هي من لوازم العلم .
الوجه السادس : أن أول مانزل قوله تعالى :(إقرأ بإسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم ) الآية من 1الى 5 من سورة العلق، وفي هذه الآية الكريمة لطيف من اللطائف الجميلة وهي وجه المناسبة بين قوله تعالى:(خلق الإنسان من علق ) وقوله تعالى:(إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم) والإجابة عن ذالك أنه سبحانه وتعالى ذكر حال الإنسان وهو علقة في أخس المراحل وأخر حاله وهي صيرورته عالمًا وهو في أجل المراتب.

الوجه السابع : قوله تعالى:(إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم) وهي أنه سبحانه وتعالى إتصف بالإكرامية لأنه أعطى العلم.
الوجه الثامن :قوله عزوجل :(وقل ربي زدني علما)الآية 114 من سورة طه،وفيها دليل على نفاسة الازدياد من العلم وكما قال قتادة: لو اكتفى أحد من العلم لأكتفى منه سيدنا موسى عليه السلام ولم يقل هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا.
الوجه التاسع :سيدنا سليمان عليه السلام كان له ملك الدنيا ولكنه لم يفتخر بها وافتخر بالعلم قال تعالى:(يأيها الناس علمنا منطق الطير) الآية 16 من سورة النمل .
الوجه العاشر:الهدهد مع أنه في حالة ضعف وموقف معاتبة لكنه قال لسيدنا سليمان عليه السلام :(أحطت بما لم تحط به) الآية 22 سورة النمل، فلولا ان العلم أشرف الأشياء لما تكلم الهدهد في مجلس سيدنا سليمان عليه السلام.
الوجه الحادي عشر :قوله صلى الله عليه وسلم :(تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة) وهذا حديث موضوع انظر المجلد 3 صفحة 144 من كتاب الموضوعات للإمام الشوكاني . وربما كان استدلال شيخنا الشيخ ماءالعينين على أن التفكر يوصلك إلى الله عزوجل والعبادة توصلك الى ثواب الله والذي يوصلك الى الله خير مما يوصلك إلى غيره وهذه درجة العارفين بالله.
الوجه الثاني عشر : قال تعالى :(وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ) الآية 113 من سورة النساء ، فسمي العلم هنا عظيما .
الوجه الثالث عشر :ان سائر كتب الله المنزلة على رسله وأنبيائه ناطقة بفضل العلم .

وخلاصة الفصل الأول أن كتاب الله عزوجل بين فضلية العلم ومكانته وجعل أصحابه من ذوي الرتب والدرجات العليا .

في الفصل الثاني من الكتاب تناول شيخنا الشيخ ماءالعينين موضوع العلم انطلاقا من الأحاديث النبوية الدالة على فضيلته ومكانته وأبرز ذالك من خلال أوجه عددها في 167 وجهًا غالبيتها أحاديث وأقوال بعض العلماء وسنقتصر على بعض هذه الأوجه نظرًا لكونها تصب في نفس الاتجاه .

روي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من الناس فلينظر الى المتعلمين فوالدي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب عالم إلا كتب الله بكل قدم عبادة سنة وبني له بكل قدم مدينة في الجنة ويمشي على الأرض تستغفر له ويمسي ويصبح مغفورا له وتشهد الملائكة بأنهم عتقاء الله من النار)بحثت عن هذا الحديث ولم أعثر عليه في كتب الصحاح وإنما ورد في كتاب (تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين) ابي الليث السمرقندي ص 427. وهذا الحديث من الأحاديث الموضوعة لأن أهل العلم نصوا على أن كتابه هذا هو مظان الأحاديث المكذوبة والموضوعة ،وقد عده شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه(تلخيص الاستغاثة المجلد 1ص 73) عده ضمن المصنفين الذين لا يعرفون الصحيح من السقيم .
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله وسلم عليه قال:(من طلب العلم لغير الله لم يخرج من الدنيا حتى يأبى عليه العلم فيكون لله) وهذا أيضا ليس حديث وإنما هو قول أحد العلماء كما قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه شرح الأربعين النووية.وهذا على انه رغم تعلم الإنسان لغير الله إلا أن عاقبته أن يقوده العلم لله لأنه سيتخلق بأخلاقه وأفعاله لا محالة.
ولكن أصح حديث تم اعتماده هو المروي عن أَبي الدَّرْداءِ،قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ، يقولُ: منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ. رواهُ أَبُو داود والترمذيُّ.
وخلاصة القول ان كل هذه الأحاديث تصب في معنى واحد وهو فضلية العلم وقيمة أهله فلا غرو أن يكون العلماء هم ورثة الأنبياء فلم يرثوا عنهم درهمًا ولا دينارا بل ورثوا علما فالمال يفنى والعلم يبقى . وهذا شرف عظيم ومن فضل العلم أن صاحبه ناطق بالحق قائم بأمر الله عزوجل عارفٌ بحدوده ملتزم بشرعه ومجتنب لنهيه وهو من اهل الجنة كما في الحديث السابق ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما ).
نعرج هنا على الفصل الثالث الذي اعتمد فيه شيخنا الشيخ ماءالعينين على مجموعة من الآثار المروية عن أهل العلم كقول ابن مسعود حين سئل بِما وجدت هذا العلم فقال:(بلسان سؤول وقلب عقول)، او قول بعضهم اسأل مسألة الحمقى وأحفظ حفظ الأكياس ، وما أجمل قول مصعب بن الزبير حين قال لإبنه :(يابني تعلم العلم فإن كان لك مال كان العلم لك جمالًا وإن لم يكن لك مال كان العلم لك مالاً ). وقال علي بن ابي طالب رضي الله عنه :(لا خير عن العلم كما لا خير في الكلام عن الجهل) وبعد كل هذه الأقوال ونحن هنا اختصرنا قدر الإمكان مادام المعنى واحد . بعد ذالك درج الشيخ ماءالعينين على تقسيم العلماء إلى ثلاثة أنواع حسب قول أغلب المحققين. وهم:
1/ عالم بالله غير عالم بأمر الله: وهو العبد الذي استولت المعرفة الإلهية على قلبه فصار مستغرقًا بمشاهدة أنوار الجلال فلا يتفرغ لتعلم علم الأحكام إلا ما لابد منه.
2/
عالم بأمر الله غير عالم بالله : وهو الذي عرف الحلال والحرام وحقائق الأحكام إلا أنه لا يعرف أسرار جلال الله.
3/
عالم بالله وبأحكام الله:فهو مع الله بالحب له وتارة مع الخلق بالشفقة والرحمة وهذا سبيل المرسلين والصدقين.

لذالك كانت مجالسة العلماء ومزاحمتهم هي السبيل إلى النجاح والصلاح قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :(لا تفارقوا مجالس العلماء فإن الله لم يخلق تربة على وجه الأرض أكرم من مجالس العلماء). وهذه منزلة رفيعة لا ينالها إلا المواظبون على هذه الرياض التي هي رياض من رياض الجنة ، قال ابن عباس رضي الله عنه :(خُيِّرَ سيدنا سليمان عليه السلام بين المُلْكِ والمال وبين العلم فآختار العلم فأعطي الملك والعلم معًا .
فالعلم من أرقى العبادات لأنه يدلك على الخالق وعلى أحكامه وتشريعاته فتعبد الله على علم وهذا الذي ينال صاحبه مكانة عظيمة وإن كان أصله أصل اللئام ولله در القائل :
رأيت العلم صاحبه كريمُ   ولو وَلَدَتْهُ آباءٌ لئامُ
وختم شيخنا الشيخ ماءالعينين الكتاب بفصلٍ رابع تحدث فيه عن الشواهد العقلية الدالة على تفضيل العلم عقلًا لكونه صفة شرف وكمال وكون الجهل صفة نقصان وهذا أمر معلوم للعقلاء بالضرورة ، ومن الأدلة العقلية كذالك أن العلم أينما وجد كان صاحبه معظما مبجلًا ومحترمًا فتراه يعيش في النور .وقد حدد شيخنا العلوم في احدى عشر علما وهي :
1/علم التوحيد والأديان 2/ علم السر لرد الشيطان 3/ علم المعاشرة للأخوان 4/ علم الشريعة للأركان 5/ علم النجوم للأزمان 6/ علم المبارزة للفرسان 7/ علم السياسة لسلطان 8/ علم الرؤيا للبيان 9/ علم الفراسة للبرهان 10/ علم الطب للأبدان 11/ علم الحقيقة لرحمان .
وهكذا قسمت الأدلة العقلية الأمر بفضلية العلم إلى قسمين :_أ_ أن العلم جنة. _ب_ الجهل نار. وعليه فإن العاقل مخير بينهما .
كما تطرق شيخنا الشيخ ماءالعينين الى عشرين حكاية كلها دلت على فضل العلم وختم الكتاب ببعض الفوائد المتعلقة ببعض السور القرءانية وبعض إستخدماتها .
وخلاصة القول أن الإسلام أولى عناية شاملة للعلم ومكانته المتميزة وفضلية أهله وكل هذا له أدلته الشرعية من الكتاب والسنة وقول الصحابة والأدلة العقلية .


بقلم : عبيد ربه سعدنا بن الشيخ محمد ماءالعينين بن الشيخ سعدنا بن شيخنا الشيخ ماءالعينين .