الشيخ مربيه ربه

سيدي المصطفى بن الشيخ ماء العينين الملقب الشيخ مربيه ربه. أمه ميمونة بنت أحمد بن علي. هو الثاني عشر من أولاد الشيخ ماء العينين. وُلد يوم الأحد 14 من ربيع النبوي عام 1298هـ 14 فبراير 1881م. في موضع « ازْمولْ الطيْحة » ب »تيرس ».

يقول الطالب أخيار بن مامينا في ترجمته للشيخ مربيه ربه :

قرأ القرآن والنحو والفقه على الفقيه الحضرمي بن الشيخ أحمد، الذي رتبه الشيخ ماء العينين مدرسا في بعض مدارسه. ثم أخذ العلم والطريقة عن والده الشيخ ماء العينين ولازمه حضرا وسفرا.

وبعد وفاة الشيخ ماء العينين، واستخلاف الشيخ أحمد الهيبة، أصبح الشيخ مربيه ربه الساعد الأيمن له في الجهاد وتسيير الأمور طيلة فترته، وهو الذي خلفه بإجماع من إخوته وأهل الحل والعقد من العلماء والأعيان. وكان عالما حازما فطنا عاقلا، لا يتضعضع لنوائب الدهر، قويا رابط الجأش في مواجهة الصعاب وتقلبات الزمن.

أرسى دعائم العدالة طيلة فترته في « أكردوس » ونواحيه، وكانت فترة جهاد ضد الفرنسيين استمر أربع عشرة سنة.

ومما يُحكى عنه من الثبات أنه يأتيه نعي أحد أبنائه، وهو في مجلس حكم أو قضاء، فلا يقطع حديثه ولا يظهر على وجهه أي انفعال.

وكان إذا قام بجولة في المناطق التابعة لحكمه ترافقه أكثر من ثلاثة آلاف فارس وكان أثناء السفر لا يقرأ الرسائل التي ترد إليه حتى يرجع إلى مقر إقامته.

كان يقيم نوادي العلم ويترأس السهرات العلمية، ويعقد في كل خميس مجلسا للعلماء للمذاكرة في مسائل العلم، وما يستجد من النوازل، ويشجع بالجوائز السنية كل من كان أكثر حفظا للقصائد الشعرية، فيعطي لمن حفظ قصيدة له أو لغيره من شعراء حضرته كسوة، سواء كان رجلا أو امرأة. وقد ضمت نواديه كبار العلماء والشعراء أمثال الشيخ سيدي محمد بن حامني الغلاوي، والشيخ سيديا بن الشيخ أحمد بن سليمان الديماني، وآبه بن عبد الإله التندغي، والطاهر الإفراني السوسي، ومحمذ ابابه بن محمد أمبارك الديماني، وماء العينين بن العتيق، وماء العينين بن الحضرمي والمحفوظ بن الحضرمي وغيرهم من العلماء والشعراء وكان طيلة حكمه في « أكردوس » يقيم الحفلات الدينية، ويأمر الناس بالاحتفال بولائم الأعراس وغيرها من المناسبات، ولا يترك الناس يتأثرون بأوضاع الحرب التي يشنها الفرنسيون عليهم.

ويصف ابن العتيق صاحب الترجمة قائلا: « كان الشيخ مربيه ربه من المتبحرين في العلوم العقلية والنقلية، أعجوبة من أعاجيب الزمان في الذكاء والحفظ والجد في طاعة الله والإقبال عليه والإعراض عمن سواه، تقيا ورعا ناسكا، كثير الإنفاق والعطاء. . . له من صغره همة في اكتساب السؤدد ومعالي الأمور الصعبة، حتى أدرك من السيادة أجل رتبة،  كتوما للأسرار ذا فراسة، متثبتا في الأمور، فائقا في صدق الرواية، ثابت الجأش جلدا راسخا، لا تزعزعه الحوادث ولا يكترث بالنوائب، بل كلما عظمت عظم صبره وكرمه، يحب أهل الفضل ويقربهم. لا تجده فارغا، بل مشتغلا في علم أو تأليف أو عبادة أو تدبير أو نحو ذلك. تلوح أنوار المهابة والوقار والسكينة على وجهه، مستجاب الدعوة، تهابه الأكابر والعظماء، وتلتجئ إليه الفقراء والضعفاء، لما له من الرحمة والعطف عليهم، وكان كثير الجلوس في مجالس شيخنا حريصا عليها، بل لا يكاد يفارقها إلا في أوقات الضرورات.

وكان شيخنا يحبه حبا شديدا، ويقربه ويشاوره في الأمور المهمة، ويعمل برأيه وينيبه في كثير من أموره العامة والخاصة، وكان لا يفارقه حضرا ولا سفرا. وكان شبيها بشيخنا في الذات والقامة والخط. . . وكان مقامه الشكر والحمد؛ فكان لا يفتر عنه باللسان والفكر والجوارح، نظما ونثرا، وألف تآليف عديدة فيه، منها « محمدة اللسان والفكر فيما يتعلق بالحمد والشكر ». . وله تآليف في فنون شتى تدل على غزارة علمه وحدة فهمه منها: « لبانة المجاهدين »، و « صولة الكار في تحريم الإقامة مع الكفار »، و « تسلية المومنين في عدم قبول أعمال المنافقين والكافرين »، وخطبة في الحث على الجهاد، و « الفرائض القرآنية في علم الفرائض »، و « صادق الفجر في صلاة الفجر »، و »ترياق الأبدان في تدبير الأسنان » و »إظهار المكنون في كشف الظنون »، و « الفيضان في بعض ما يفعل في شهر رمضان »، و « القربان فيما اختص به شعبان »، و « قرة العينين في كرامات شيخنا الشيخ ماء العينين »

وله أجوبة في « زكاة الكاغد الذي تتصارف الناس به اليوم ».

وأضاف ابن العتيق: « ولما بويع أخوه الشيخ أحمد الهيبة على الجهاد كان واقفا معه مؤازرا له ومعضدا لأموره، وقائما عنه بأكثر المهمات.  وكان الشيخ أحمد الهيبة مفوضا له في أمره ومشاورا له، ولا يقطع أمرا دونه. حتى توفي الشيخ أحمد الهيبة، فأجتمع أبناء شيخنا وقرابته وأهل الحل والعقد من القبائل السوسية والصحراوية على الشيخ مربيه ربه في أكردوس، وجعلوه مكان أخيه، فقام بالأمر أحسن قيام فيما يتعلق بالخاص والعام، وسلك جادة السنة المطهرة فيما هو به قائم، ولم تأخذه في الله لومة لائم، وظهر فيه من حسن السياسة والتدبير مع ما أعطاه الله من النفاسة والتسخير ما حارت فيه الأفكار، واستقامت به البوادي والأمصار، وانتشرت في البلاد مزاياه وعمت العباد عطاياه، ولم يشغله ما هو فيه من معاناة الأمور عن الجد في العبادات ونشر العلوم،  وكان له مجلس كل يوم يحضره من في حضرته من العلماء والصلحاء والأدباء، فيفيض عليهم أطايب الطعام، ويتذاكر معهم في جميع الفنون، ويتشاور مع أهل الرأي والعقل منهم فيما ينوبه من الحوادث. ولم يزل من الهادين المهتدين قائما بأمور الدنيا والدين إلى أن وقع الاحتلال الفرنساوي عام اثنين وخمسين وثلاثمائة وألف، فانحاز إلى مدينة الطرفاية، فتلقاه أهلها ومن والاها عربا وعجما بشيئ من الإكرام والتبجيل والإكبار لا يوصف، وأسندوا إليه نظر تلك النواحي« .

تحدث ابن العتيق عن حج الشيخ مربيه ربه الأول وحجه الثاني الذي رافقه فيه. وقال: « فلما كان العام القابل الذي هو عام سبعة وخمسين بعد ثلاثمائة وألف سافر أيضا للحج ومعه بعض أقربائه وكنت ممن معه، حتى أتممنا حجنا لله الحمد. ورأيت فيه في هذا السفر من الفتوة والمروءة والعبادة آناء الليل وأطراف النهار ما لا يوصف، ورأيت من انجذاب القلوب له وشدة محبة الناس له، من عرفه ومن لم يعرفه، وتواضع الرؤساء له، وإقبال الخلق عليه، ما يحير العقول ولا تفي به النقول. ثم لم يزل رحمه الله في طرفاية وما والاها من البلاد  الصحراوية حتى توفي في 19 من جمادى الأول  عام 1361هـ  (1942م). ودفن في « تافودارت » بوادي « الساقية الحمراء ».

اختلف في شهر وفاة الشيخ مربيه ربه، فعلى خلاف ابن العتيق، يؤرخ الشاعر و القاضي أبو بكر لوفاة والده  الشيخ مربيه  في و يذكر تاريخ 19 ربيع الثاني 1361 للهجرة،  فيقول:

دونك تاريخ منام الأفضل

شيخ المشايخ الإمام الأكمل

محمد من ربه رباه
المصطفى بفضله حباه
سقت ثراه سحب الغفران
في تسع عشر من ربيع الثاني
من ليلة الثلاث بعد المغربين
ذرت لفقده دموع كل عين
عام الوفاة رمزه كما ذرت
إذا اختبرتها بذاك خبرت
فعمره كعمر طه المصطفى
عليه أفضل صلاة تصطفى
نظمه بنيه الصديق
صحبه من ربه التوفيق
وله أيضا من نظم يذكر فيه من حضر في تغسيله:

قد غسلوه في البياض كفنوه
ثلاثة الأثواب فيها أدرجوه
في تسع عشر من ربيع الثاني
عام اصسش فخذ بياني
كساه ربي ثياب رحمته
أدخله الله فسيح جنته
صلاة ربي مع السلام
على محمد نبي الختام
و هو التاريخ ( أي 19 ربيع الثاني 1361ه) الذي ذكره أيضا الاستاذ مربيه بن الشيخ سيدي محمد بن عبد العزيز حامن في كتابه  اثبات علماء الصحراء على ما للنسب.

عقب ذرية هم: حسنا، أمه: مريم بنت أواه، ومحمد، أمه: صفية بنت أواه. وأبوبكر أمه: منينه بنت ابريكه، ومحمد شيبة أمه: فاطمة بنت السيد السباعية،  وعبد الشكور أمه: فاطمة بنت الحاج عابد الصوابية، ومحمد الغيث أمه: مباركة بنت أبلال. وأحمد الهيبة أمه: اكويريه. وبشرايه أمه: مريم. وعلي أمه: رقية بنت عمر. ومحمد ماء العينين الملقب محمدي أمه: عيشة. والطالب بويه أمه: أم الخير. والقطب وهو شقيق محمدي. محمد الإمام ( لم يذكره الطالب أخيار بن مامينا في ترجمة والده)وهو شقيق محمد الغيث. ومحمد إبراهيم أمه: فاطمة بنت السيد السباعية وهو شقيق شيبة. أما بناته فهن: أم الفضل، والعالية، وسعدان، وربيعة، ولمينة، ويحجب بوها، وفاطمة.

خلف الشيخ مربيه ربه عدة مؤلفات ومصنفات ودواوين شعر في مجالات شتى من علوم عصره منها:

أ-في الجهاد:

١-لبانة المجاهدين وبغية الطالبين.

٢-الترغيب فيما أعد الله للمجاهدين في سبيل الله.

٣-خطبة الجهاد.

٤-صولة الكار وملجأ الفار في تحريم الإقامة مع الكفار.

٥-تسلية المؤمنين في عدم قبول أعمال المنافقين والكافرين.

*(ب-في التصوف:)*

١-حزب إغاثة اللهفان.

٢-حزب جامع الحمد.

٣-حزب السلامة في الدين والقيامة.

٤-حزب السعادتين.

٥-حزب العافية والكمال محمود الحال والمآل.

٦-حزب كهف العناية الأسنى في أسماء الله الحسنى.

٧-حزب إلهام المؤمن من فضل السلام المؤمن.

٨-حزب سلم الرحمات ومكفر السيئات.

٩-حزب الحمد والشكر.

١٠-حزب : » إعملوا آل داود شكر. »

١١-حزب مغناطيس النعم جالبها ودافع للنقم.

١٢-حزب البر والبحر.

١٣-حزب السعة.

١٤-حزب الخير.

١٥-حزب الأدعية القدسية بأسماء الله الإدريسية.

١٦-حزب منيل فضل الله ونعمته في الحمد بكل إسم على حدته.

١٧-حزب واهب الزيادة والحسنى وحمد الله بأسمائه الحسنى.

١٨-حزب الحمد بالفاتحة.

١٩-حزب الألاء.

٢٠-حزب « لئن شكرتم لأزيدنكم ».

٢١-دعاء ليس فيه حرف إلا من حروف « الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ».

٢٢-دعاء « وإن تشكروا يرضه لكم* » وآية: « وأما بنعمة ربك فحدث ».

٢٣-دعاء رمضان.

٢٤-دعوة « لئن شكرتم لأزيدنكم »

٢٥-الدعوة المجابة من معطى الإجابة.

٢٦-الفرائض المجتمعة في الأوراد المختصة بالجمعة.

٢٧-محمدة اللسان والفكر فيما يتعلق بالحمد والشكر.

٢٨-مدد الملوك.

٢٩-القربان فيما خص الله به شهر شعبان.

٣٠-الفيضان فيما خص الله به شهر رمضان.

٣١-عدة الفئين في أسرار المئين.

٣٢-ربيع الأسرار المتربع في أسرار المربع.

٣٣-حمد ليس فيه حرف إلا من حروف قوله تعالى: « الحمد لله رب العالمين ».

٣٤-حمد [إنتهى منه عصر الجمعة 01 شوال عام 1338هـ].

٣٥-حمد الأيام السبعة.

٣٦-روضة المجتدي.

٣٧-حمد ليس فيه حرف ينطق به إلا من حروف <الحمد لله>.

٣٨-فيض المجيد ودوام المزيد.

٣٩-حمد قاله يوم الجمعة أواسط جمادى الأولى عام 1342هـ.

٤٠-محامد الوارد والصادر في الحمد والشكر بالمصادر.

٤١-مفرجة الكروب دافعة المرهوب وجالبة المرغوب بفضل علام الغيوب.

٤٢-حمد في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ج-في الفقه:

١-محمدي السكينة في الكلام على الإعتدال والطمأنينة.

٢-إظهار المكنون في كشف الظنون.

٣-الفرائض القرآنية في التركة الإسلامية.

٤-دافعة الباطل الذابة عن تحريف أوصاف الدابة.

٥-دعامة المتيمم لكل متيمم.

٦-صادق الفجر في الكلام على صلاة الفجر.

٧-نبذة في الكلام على الراموز والأقلام.

٨-الرضاب في بعض ما يتعلق بالخضاب.

د-في الطب:

١-ترياق الأبدان في تدبير الأسنان.

٢-نفع الوبري والمدري في الكلام على الجدري.

٣-أمراض السل وعلاجها.

-في الفلك:

١-الكلام على إنفضاض النجوم.

هـ-الرحلات:

١-رحلة والده إلى فاس عام (1322هـ)

٢-يوميات هجرته من أكردوس إلى طرفاية.

له دواوين شعر وأنظام وأدعية إلى جانب أشعار باللسان الحساني

و-السيرة والمنوعات:

١-العسل المصفى في عدد من استشهد زمن المصطفى.

٢-قرة العينين في كرامات شيخنا الشيخ ماء العينين.

٣-كيفية قراءة شيخنا لحزبه الراتب.

٤-فكاهة الصباح والمساء في نعوت أوصاف النساء.

ونشير إلى أن بعض كتبه ضاع أثناء مرحلة الجهاد ومنها ما استولت عليه القوات الفرنسية، وخاصة من خزانته الغنية بأكردوس إثر مغادرة  المجاهدين لها.

كما كانت له عدة مراسلات مع أعيان وقبائل سوس وأحواز مراكش والقيمين على زوايا والده الشيخ ماء العينين في مختلف مناطق المملكة وخاصة زاويتي وجدة وبني أنصار بالقرب من الناظور، وكان على إتصال وثيق وتواصل مع قادة الجهاد في أقصى الجنوب (موريتانيا حاليا) فضلا عن مختلف أمراء موريتانيا وزعماء عشائرها؛ وكانت هذه المراسلات كلها حث وتحريض على الجهاد وصد الغزو الأروبي عن المنطقة وعدم التعامل مع المعمرين وعملائهم. . . وامتدت مراسلاته إلى خارج الوطن كمراسلاته مع السياسي الأديب اللبناني شكيب أرسلان وأبناء مايابي وغيرهم في كل من الحجاز والأردن ومصر. . .


المصادر:

كتاب الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الأول، الطبعة الثانية ص 352-353-354-355. تأليف: الطالب أخيار بن الشيخ مامينا؛ منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية.

كتاب الشيخ مربيه ربه، ديوان المحامد، الجزء الأول، ص 17-18-19-20-21-24. جمع وتحقيق: شيبة محمد الإمام؛ مراجعة: ماء العينين مربيه ربه. منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية

العلامة ماءالعينين بن العتيق، سحر البيان، 115

الاستاذ مربيه بن سيدي محمد بن عبد العزيز، كتاب اثبات علماء الصحراء على ما للنسب من محاسن غراء ص88 مخطوط

المعسول مختار سوسي ج4 ص 272